قد لا تكون أفغانستان الوجهة السياحية الأولى التي تتبادر إلى الأذهان عند اختيار مكان لتمضية عطلة، غير أنّ عدداً متزايداً من الأجانب يختارون زيارة هذا البلد التي تسيطر عليه حركة طالبان.
الى مزار شريف، جاء الفرنسي ديدييه غودان والأميركي أوسكار ويلس لاكتشاف المسجد الأزرق الذي يعود إلى القرن الخامس عشر والذي يعدّ جوهرة المدينة الشمالية بجدرانه المكوّنة غالبا من الخزف الملوّن بالأزرق.
كذلك، قاما بزيارة بقية المواقع السياحية في ولاية بلخ التي تتميّز بماضيها العريق، وهما يرتديان الشالوار كاميز أي السترة الأفغانية والسراويل الفضفاضة، بينما وضعا القبعة الأفغانية المصنوعة من اللباد.
إنها الزيارة الثانية التي يجريها المحامي الفرنسي غودان (57 عاماً) إلى أفغانستان، الوجهة التي لا تشجّع الدول الغربية على زيارتها. ويقول "يجب أن نكون متحفّظين بعض الشيء".
ويضيف "أول ما يقوله لك أقرباؤك هو: أنت مجنون للذهاب إلى هناك!".
يُستقبل المسافر في أفغانستان بالفقر المدقع، في ظلّ غياب البنى التحتية السياحية وندرة المواقع الثقافية بعد الدمار والنهب الذي دام أربعة عقود من الحرب.
ويتوجّب عليه التسجيل لدى السلطات عند وصوله إلى كلّ ولاية والالتزام بقواعد اللباس الصارمة. كما يخضع للتفتيش من قبل رجال مسلّحين ببنادق كلاشينكوف لدى مروره في عدد لا يُحصى من نقاط التفتيش.
ولكن تبقى جاذبية أفغانستان كامنة في جمال طبيعتها وفي التواصل مع السكان المضيافين.
"صورة سيئة"
كان المسافران تزلّجا للتو في باميان (وسط) مع قرويين، خلال أسبوع نظّمته وكالة Untamed Borders البريطانية التي أحضرت حوالى مئة سائح إلى أفغانستان العام الماضي.
ويشير ديدييه غودان إلى أنّ السيّاح "مثلنا فضوليون ويريدون التواصل مع السكان، ومحاولة مساعدتهم قليلاً".
ويضيف أنّه أحضر هذه السنة "130 كيلوغراماً من لوازم التزلّج" إلى باميان.
بالنسبة لويلس (65 عاماً) المزارع الآتي من الغرب الأوسط الأميركي، فهذه زيارته الثالثة إلى أفغانستان. ويقول إنّه يجب هذا البلد "الفريد" و"جباله الرائعة" و"شعبه الذي يعيش كما في العصور القديمة".
من جهته، يشير مؤسسة وكالة Untamed Borders جايمس ويلكوكس، إلى أنّه في ظلّ عودة طالبان، "يمكننا القيام بمزيد من الأمور، مثل الذهاب نحو الجنوب".
لكنّه يضيف أنّ "هذا الأمر أحدث أيضاً اضطراباً، إذ كان على مرشدتنا (الأفغانية) أن تذهب وتعيش في إيطاليا".
لا تحظى حكومة طالبان باعتراف أيّ دولة بسبب تطبيقها الصارم للشريعة الإسلامية وتعدّد الإجراءات التقييدية ضدّ المرأة.
ومع ذلك، ارتفع عدد السياح الأجانب في أفغانستان بنسبة 120% إلى حوالى 5200 سائح في العام الماضي على أساس سنوي، وفقاً للأرقام الرسمية.
وفي هذه الأثناء، أعادت كابول افتتاح معهد السياحة وإدارة الفنادق، حيث يقول وزير الإعلام والثقافة خير الله خيرخواه إنّه تمّ اتخاذ هذه الخطوة حتى يتوقف "أعداء أفغانستان عن رسم صورة سيئة".
السفر منفرداً
يثير انعدام الأمن قلق نايوري تشاينتون، وهي امرأة تايلاندية تبلغ 45 عاماً تملك وكالة سفر في بانكوك وجاءت لاستكشاف المناطق الأفغانية مع مجموعة من مواطنيها.
وتقول أثناء زيارتها مسجد كارتي ساخي في كابول "لم نكن نعرف الكثير عن الوضع هنا ... ولكن أشعر بالأمان على الرغم من كلّ نقاط التفتيش".
وتضيف "عند عودتنا سنعمل على الترويج لأفغانستان" كوجهة سياحية.
إلى جانب الرحلات المنظمة، التي تعدّ الصيغة الغالبة والباهظة الثمن، يسافر البعض إلى أفغانستان بمفردهم وبتكلفة صغيرة، بما في ذلك النساء.
ومن هؤلاء، الأميركية ستيفاني ماير (53 عاماً) التي سافرت إلى أفغانستان لمدّة شهر من دون أن تواجه أي مشكلة أو حادثة، وانتقلت من كابول إلى قندهار (جنوباً) عبر باميان ثمّ هرات (غرباً).
تقول هذه المهندسة مازحة إنّ كلّ شيء يسير على مايرام "طالما أنّك تدرك أنّ الأمر سيكون فوضوياً".
لم تواجه هذه المواطنة الأميركية "أيّ صعوبات لدى سفرها بمفردها"، وتوضح أنّها باتت ليلتها مرّتين في منزل أحد السكان المحلّيين.
كما تقول "التقيت أناسا أخبروني عن حياتهم، لكنّها كانت تجربة حلوة ومرّة". وتضيف "تساءلت كيف يمكن (للأفغان) أن يعيشوا في الفقر والبطالة، ومع حرمان الفتيات من التعليم وبدون مستقبل".
ميزانيات صغيرة
توفّر منصات التواصل الاجتماعي، خصوصاً تطبيق "واتساب"، مساعدة قيّمة للسياح الذين يسافرون إلى أفغانستان بمفردهم وبميزانيات صغيرة.
وعلى هذا التطبيق، تضم مجموعة "تجربة السفر الأفغانية" (Afghanistan Travel Experience) النشطة للغاية، أكثر من 600 سائح من المكسيك وكندا والهند وأستراليا وإيطاليا، موجودين في أفغانستان أو غادروها.
يتبادل هؤلاء السياح النصائح بشأن حالة الطرق والسلامة وسعر سيارات الأجرة المشتركة. كما يبحثون عن رفاق سفر أو فندق رخيص يوفر ماء ساخنا إذا أمكن.
ويفضّل هؤلاء الحافلة على الطائرات للتنقل بين المدن الكبرى، ولا يترددون في القيام برحلة تستغرق 20 ساعة بين كابول وهرات والتي تمتدّ على مسافة 850 كيلومتراً.
على نحو مماثل، لا يوجد سوى طريق واحد يستغرق أربع أو خمس ساعات لوديان باميان المهيبة، التي تعدّ الوجهة السياحة الأولى وحيث المواقع الفارغة لتماثيل بوذا العملاقة التي فجّرتها حركة طالبان في العام 2001.
على مجموعة "واتساب"، تظهر أحياناً أسئلة غير متوقعة. مثلاً، يريد ألبرتو أن يعرف ما إذا كان السفر مع كلبه "محرّماً"، بينما يريد سو معرفة ما إذا كان "هناك مساحة عمل مشتركة في مزار شريف".