تثير احتمالات عودة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مخاوف أوروبية حقيقية، لا سيما أن الفترة الأولى التي قضاها بالبيت الأبيض كانت قد شهدت عديداً من الملفات الخلافية مع الحلفاء الاستراتيجيين بالقارة العجوز، من بينها على سبيل المثال ما يرتبط باللغط المثار حول الإنفاق الدفاعي لحلف «الناتو».
ومن ثم لا يخفي الأوروبيون ـ بشكل متفاوت ـ قلقهم من عودة ترامب في الانتخابات التي ستجرى في نوفمبر المقبل، وهي العودة التي قد تحمل معها تغيراً واضحاً في الوضع القائم بالنسبة لعددٍ من القضايا، سواء لجهة العلاقات الثنائية وحتى العلاقات متعددة الأطراف والقضايا الكبرى مثل «تغير المناخ» وموقف ترامب منه.
تصريحات متشددة
وفي هذا السياق، يقول مستشار المركز العربي للدراسات والبحوث ورئيس منتدى تطوير الفكر العربي للأبحاث، أبو بكر الديب، إن «مسألة عودة ترامب إلى البيت الأبيض تثير مخاوف الأوروبيين وشعوب القارة؛ لا سيما مع التصريحات المتشددة التي يثيرها في أكثر من مناسبة، عل أبرزها مسألة الدفاع عن دول الاتحاد إذا ما اجتاحت روسيا أياً من أراضيها».
ظلت دول أوروبا لفترة طويلة تعتمد على الحماية الأمريكية، وفقاً للمادة الخامسة في حلف الناتو (أي هجوم مسلح ضد إحدى الدول الأعضاء، يعتبر هجوماً ضد جميع الأعضاء، ويجب على الأعضاء الآخرين مساعدة العضو المعتدى عليه حتى لو تطلب الأمر استخدام القوة المسلحة).
ويشير الديب إلى أن الكثير من القادة الأوروبيين دعوا إلى «خلع العباءة الأمريكية»، من حيث الأمن والحماية، والاعتماد على قوة أوروبية مشتركة للدفاع عن الاتحاد، لافتاً في السياق إلى مساعي الاتحاد الأوروبي زيادة معدلات الإنفاق العسكري.
حماية المناخ
ووفق الديب، فإن ثمة قضايا خلافية أخرى من شأنها أن تؤثر على العلاقات بين ترامب وأوروبا، مشيراً إلى أن ترامب لم يهدد فقط بالانسحاب من الاتفاقات العسكرية مع «الناتو» أو عدم حماية أوروبا عسكرياً (ما إن لم تلتزم بهدف زيادة الإنفاق العسكري داخل الحلف)، لكن حتى في ملفات المناخ والالتزام الأمريكي باتفاقية باريس للمناخ مهدد، ذلك أن ترامب كما هو معروف أقل إصراراً على حماية المناخ.
ويضيف مستشار المركز العربي للدراسات والبحوث ورئيس منتدى تطوير الفكر العربي للأبحاث: «كذلك قضايا الرسوم التجارية، والتخفيضات الممنوحة من أمريكا لأوروبا كشريك تجاري من بين أبرز العوامل المحركة للمخاوف الأوروبية»، متوقعاً أنه ربما يعامل ترامب أوروبا مثل الصين برفع الرسوم التجارية على بعض الصادرات الأوروبية.
فيما يستعرض الديب بعض العوامل التي يمكن أن تؤدي إلى تراجع ترامب حال وصوله إلى البيت الأبيض عن تهديداته ضد أوروبا، من بينها أن واشنطن بما تمثله من قوة عسكرية تحتاج إلى أوروبا بقوتها كحليف استراتيجي تستطيع من خلاله مجابهة نفوذ دولة كالصين في حال أي نزاع استراتيجي أو عسكري، وبالتالي لا تريد واشنطن خسارة حليف قوي يستكمل قوتها العسكرية تجاه روسيا أو الصين.
توريد الأسلحة
من بين العوامل أيضاً تحقيق أمريكا مكاسب مليارية حال استقرار علاقاتها مع أوروبا عبر تسليحها، من خلال توريد الأسلحة لأوروبا، وبالتالي تشغيل شركات السلاح الأمريكية وتطوير معداتها.
ويوضح أن الجمهوريين يضغطون على أوروبا بهدف زيادة التمويل العسكري بشكل أكبر، وهو أمر يقلق القادة الأوروبيين وربما يغير معدلات التصويت للانتخابات الأوروبية المقبلة، مشيراً إلى أن الناخب الأوروبي يرزح خلال هذه الفترة تحت أسعار مرتفعة وتضخم عالٍ، ويرفض فكرة زيادة الإنفاق على التسليح.