سافر شخصٌ لأداء فريضة الحجِّ وتُوفِّيَ في المدينة المنورة قبل أداء النُّسك.. فما الحكم؟

{title}
همزة وصل   -
أجابت دار الإفتاء المصرية سؤالاً يقول فيه صاحبه: «سافر شخصٌ لأداء فريضة الحجِّ العام الماضي، ثم تُوفِّيَ في المدينة المنورة قبل أداء النُّسك ودُفن بالبقيع، فما الحكم؟».
وقالت دار الإفتاء: «إذا كان الشخص المذكور قد ثبتت استطاعته لأداء الفريضة قبل العام الذي خرج فيه، ثم تُوفِّيَ قبل أن يؤديَها، فيلزم ورثته أن يخرجوا من تَركته ما يُحجُّ به عنه؛ لأن ذمته صارت مشغولةً بالحج الذي كان مستطيعًا له قبل ذلك، أما لو لم يكن قد استطاع قبل هذا العام فليس على ورثته شيءٌ؛ لأنه لم يشهدِ الحجَّ فعلًا بسبب وفاته قبل موافاة الموسم».
 الحج
الحج شعيرة من شعائر الإسلام، وفريضة من الفرائض التي فَرَضها الله تعالى على مَن يستطيع أداءها من عباده؛ قال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: 97]؛ فهو أحد أركان الإسلام؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ» متفقٌ عليه، وهو واجب على المستطيع مرةً في العمر.
من حكم الحج ومقاصده
للحج مجموعة من الحِكم والمقاصد التي من أجلها شرعه الله سبحانه وتعالى، وأهم هذه الحِكَم:
ــ التحقق بعبودية الله تعالى؛ بالامتثال لأمره تعالى، وإخلاص العبادة له، ففي القيام بحج البيت المعظم إعانة للعبد على كمال التحقق بالعبودية لمولاه، وكمال الانقياد والامتثال لأوامره.
قال حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في "إحياء علوم الدين" (1/ 266، ط. دار المعرفة): [فأما ترددات السعي، ورمي الجمار، وأمثال هذه الأعمال -فلا حظ للنفوس، ولا أنس فيها، ولا اهتداء للعقل إلى معانيها؛ فلا يكون في الإقدام عليها باعث إلا الأمر المجرد، وقصد الامتثال للأمر من حيث إنه أمر واجب الاتباع فقط، وفيه عزل للعقل عن تصرفه، وصرف النفس والطبع عن محل أنسه؛ فإن كل ما أدرك العقل معناه مال الطبع إليه ميلًا ما؛ فيكون ذلك الميل مُعينًا للأمر، وباعثًا معه على الفعل؛ فلا يكاد يظهر به كمال الرق والانقياد؛ ولذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم في الحج على الخصوص: «لبيك بحجة حقًّا تعبدًا ورقًا»؛ ولم يقل ذلك في صلاة ولا غيرها] اهـ.
وقال الإمام النووي في "الإيضاح في مناسك الحج والعمرة" (ص: 35-37، ط. دار البشائر الإسلامية): [وفي تلبيته إعلانه لذكر الله تعالى، وإظهار العبودية له، وتنبيه نفسه وإيقاظها لمقاصد الحج، وشحنها بالإِيمان... وفي إفاضته إلى المزدلفة والمشعر الحرام امتثاله أمْرِ الله وشكره على ما حباه مولاه من فضلٍ ونعمةٍ ورحمةٍ وغفرانٍ] اهـ.
أركان الحج 
ــ تعظيم شعائر الله تعالى، والتي منها مناسك الحج؛ من الوقوف بعرفة، والسعي بين الصفا والمروة، والطواف حول الكعبة، وغير ذلك من مناسك الحج، وتعظيمها يكون بأدائها والقيام بها على أكمل وجه؛ وهو مطلب شرعي؛ إذ إنه أمرٌ يُورث العبد نورًا في قلبه؛ قال تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32].
قال الإمام الطبري في "جامع البيان" (15/ 541، ط. دار هجر): [إنَّ الله تعالى ذِكْرُهُ أخبر أن تعظيم شعائره، وهي ما حمله أعلامًا لخلقه فيما تعبدهم به من مناسك حجهم، من الأماكن التي أمرهم بأداء ما افترض عليهم منها عندها والأعمال التي ألزمهم عملها في حجهم: من تقوى قلوبهم: لم يخصص من ذلك شيئًا، فتعظيم كلِّ ذلك من تقوى القلوب... وحقٌّ على عباده المؤمنين به تعظيم جميع ذلك] اهـ.
وقال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (12/ 56، ط. دار الكتب المصرية): [﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ﴾ الشعائر جمع شعيرة، وهو كل شيء لله تعالى فيه أمرٌ أشعر به وأعلم... فشعائر اللَّه: أعلام دينه، لا سيما ما يتعلق بالمناسك... وأضاف التقوى إلى القلوب؛ لأن حقيقة التقوى في القلب] اهـ.
ــ إقامة ذكر الله تعالى؛ فذكر الله تعالى من حِكَم الحج ومقاصده الظاهرة؛ قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ﴾ [البقرة: 198]، وقال سبحانه: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ﴾ [الحج: 28].
وورد عن أم المؤمنين السيدة عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: «إِنَّمَا جُعِلَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَرَمْيُ الْجِمَارِ لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ» أخرجه أبو داود في "سننه".
ــ الاستعداد للآخرة وتذكرها؛ وذلك بتقوى الله؛ قال سبحانه وتعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197].
قال الإمام ابن كثير في "تفسيره" (1/ 548، ط. دار طيبة): [لما أمرهم بالزاد للسفر في الدنيا أرشدهم إلى زاد الآخرة، وهو استصحاب التقوى إليها؛ كما قال: ﴿وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ﴾ [الأعراف: 26]] اهـ.
وقال ابن القيم في "إغاثة اللهفان" (1/ 58، ط. مكتبة المعارف): [أمر الحاج بأن يتزودوا لسفرهم، ولا يسافروا بغير زاد، ثم نبههم على زاد سفر الآخرة، وهو التقوى، فكما أنه لا يصل المسافر إلى مقصده إلا بزاد يبلغه إياه، فكذلك المسافر إلى الله تعالى والدار الآخرة لا يصل إلّا بزاد من التقوى، فجمع بين الزادَين] اهـ.
ــ التحلي بمكارم الأخلاق؛ فمن انتوى حج بيت الله يتوجب عليه الإمساك عن كل منافٍ لمكارم الأخلاق، والبعد عن الترف واللهو والشهوات، كما يتوجب عليه التوجه للأعمال الصالحة؛ امتثالًا لأمر الله تعالى: ﴿فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ﴾ [البقرة: 197]؛ فهذا يهذب طباع الحجاج، ويضبط أخلاقهم؛ ليكون حجهم مبرورًا كما ورد في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ قال: «وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الجَنَّةُ» متفق عليه.
قال الإمام بدر الدين العيني في "شرحه على صحيح البخاري" (10/ 109، ط. دار إحياء التراث العربي) في معنى الحج المبرور أنه: [الَّذِي لَا يخالطه شَيْء من مأثم.. وَقيل: الَّذِي لم يتعقبه مَعْصِيَة] اهـ.
وقال الإمام النووي في "الإيضاح" (ص: 35) [وفي كفه عن محظورات الإِحرام حمله على مكارم الأخلاق، وبُعده عن الترف واللهو والشهوات وتوجيهه إلى الأعمال الصالحة؛ رجاء العفو والمغفرة] اهـ.
ــ تقرير مبدأ المساواة بين عامة المسلمين؛ ففي اجتماع الحجاج من جميع البيئات والطبقات في صعيد واحد، وبلباس واحد، ووقت واحد؛ لأداء نسك واحد دليلٌ على أنهم جميعًا سواسية؛ فقد ورد عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: "خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَسَطَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ، فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى» أخرجه الإمام أحمد في "مسنده".
قال الإمام النووي في "الإيضاح" (ص: 36): [وفي وقوفه بعرفة هو وإخوانه على اختلاف لغاتهم وأجناسهم وألوانهم في صعيد واحد وزي واحد ووقت واحد، لا فرق بين رئيس ومرؤوس وصغير وكبير وغني وفقير... ويتضرعون إلى الله بقلوب ملئت بالخشية وأيد امتدت ضارعة بالدعاء، وألسنة تلهج بالثناء على الله بما هو أهله إشعارٌ بالمساواة وفيه يظهر أيضًا معنى الأخوة الشاملة التي يحرص الإِسلام على غرسها في نفوس أتباعه... وفي وقوف عرفة يرى الفقير الضعيف ذل الغني القوي أمام ربه يتضرع إليه ويسأله قضاء حاجته؛ كما يسأله الفقير. فيحس في هذه الحالة معنى المساواة يتحقق، فهو والغني والقوي عبيد الله المحتاجون إليه، الفقراء إلى رحمته] اهـ.
ــ تدريب المسلم على علوِّ الهمة وقوة العزيمة وتحمل المتاعب والصبر على المشاق؛ فالقيام بأعمال الحج ومناسكه من انتقال الحاج من بلده إلى مكة تدريب على رفع الهمم وشحنها.
قال الإمام النووي في "الإيضاح" (ص 35): [ففي انتقال الحاج من بلده وسفره إلى مكة، توسيع لدائرة فكره، ومعرفته، وتدريبه على احتمال متاعب الحياة، واكتساب فضيلة الصبر، وفي إحرامه من الميقات ضبط لعزيمته، وسبب لعلو همته] اهـ.
بناءً على ذلك: فإن للحج مجموعة من الحِكم والمقاصد؛ أهمها: التحقق بعبودية الله تعالى؛ بالامتثال لأمره، وإخلاص العبادة له، وتعظيم شعائره، وإقامة ذكره، والاستعداد للآخرة وتذكرها، والتحلي بمكارم الأخلاق، وتقرير مبدأ المساواة بين عامة المسلمين، وتدريب المسلم على علوِّ الهمة وقوة العزيمة.
شروط وجوب الحج: 
1) الإسلام.
2) البلوغ.
3) العقل.
4) الاستطاعة، وتكون من خلال:
- الالتزام باللوائح والقوانين المنظمة، ومنها التأشيرات الخاصة بالحج.
- توفر تكاليف السفر.
-توفر وسيلة السفر.
-قوة البدن.
-الطريق الآمن.
-إمكان الوصول إلى مكة.
بيان فرضية الحج
© جميع الحقوق محفوظة لهمزة وصل 2024
تصميم و تطوير