روسيا والصين.. من الشراكة إلى التحالف

{title}
همزة وصل   -
تشهد العلاقات الروسية الصينية تقارباً غير مسبوق في الآونة الأخيرة، ما يعكس تحولاً استراتيجياً في النظام الدولي. هذا التقارب يتجلى في تعميق التعاون الاقتصادي والعسكري والسياسي بين البلدين، مع توقيع اتفاقيات ضخمة في مجال الطاقة، وتنسيق المواقف في المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة، كلها دلائل على تنامي الشراكة الاستراتيجية بين موسكو وبكين إلى تحالف استراتيجي.
وينظر الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، إلى هذا التحالف المتنامي، بمزيد من الريبة والمخاوف العميقة. تعود أسباب هذه المخاوف إلى تصاعد التحدي الذي تمثله روسيا والصين للنظام العالمي، الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة وحلفاؤها.
ويتبع الغرب والولايات المتحدة في هذا السياق، مسارات مختلفة للتعامل مع هذه العلاقات، من خلال سياسة العصا والجزرة مع الصين، سواء من خلال محاولات استمالتها، لفض الشراكة مع موسكو، وكذا من خلال الأدوات التصعيدية، والتنديد بدورها في مساندة موسكو، يقول الكاتب والباحث السياسي، رامي القليوبي، إن ثمة ضغوطاً واسعة تُمارس على بكين - سواء من جانب الغرب وأمريكا من أجل إجبارها على إعادة صياغة علاقاتها مع روسيا -الخاضعة للعقوبات الغربية- من خلال عديد من الأدوات المختلفة.
وتنظر الولايات المتحدة إلى جانب الغرب، إلى بكين، باعتبارها لاعباً رئيساً في دعم استقرار روسيا اقتصادياً بشكل أو بآخر، من خلال مساندتها في تجاوز العقوبات ودحض تأثيراتها، وبالنظر إلى كون بكين تمثل الشريك الاستراتيجي الأبرز الآن بالنسبة لروسيا، ومع إجراء المعاملات بالعملات المحلية.
يؤكد القليوبي أن واشنطن تصنف بكين وموسكو من الخصوم السياسيين والاقتصاديين لها، وبالتالي، تسعى إلى الإضرار بهما اقتصادياً، لكنه يشكك في الوقت نفسه، من إمكانية نجاح الغرب وواشنطن في ذلك، على اعتبار أن التجارب السابقة كافة، تشير إلى استحالة محو بلد واقتصاد كبير من الخريطة السياسية والاقتصادية. 
وفي مقابل محاولات الولايات المتحدة والغرب استهداف العلاقات الراسخة بين موسكو وبكين، فإن البلدين يحرصان على رفع مستوى التنسيق على عديد من الصعد، في شراكة واسعة المدى، بما يخدم مصالحهما الاقتصادية في المقام الأول، وهو ما تعبر عنه معدلات التجارة التي تحافظ على الزخم.
أحدث البيانات في هذا السياق، هي تلك الصادرة عن إدارة الجمارك الصينية، والتي كشفت عن ارتفاع التبادل التجاري بين البلدين بنسبة نحو 3 % خلال الخمسة أشهر المنقضية من العام الجاري 2024، وصولاً إلى أكثر من 96 مليار دولار، بلغ نصيب الصادرات الصينية منها 41.8 مليار دولار (بتراجع 1.8 % عن الفترة المماثلة من عام 2023)، فيما بلغت صادرات روسيا إلى الصين 54.7 مليار دولار (بزيادة نحو 7 %).
الأكاديمي المتخصص في الشؤون الصينية، جعفر الحسيناوي، يستشهد بالزيارات واللقاءات الأوروبية الصينية المختلفة خلال الفترة الأخيرة، ضمن العوامل التي تعكس الرغبة الأوروبية الأمريكية في احتواء الصين، والحفاظ على العلاقات المشتركة معها.  
ويوضح أن الغرب من ناحيته، يقدم مجموعة من المغريات لبكين -التي تمثل ثاني أكبر اقتصاد في العالم- من أجل تقليص علاقتها  مع روسيا، من بين تلك المغريات، ما يرتبط بتخفيف الضغوطات المفروضة على الشركات الصينية في الغرب، وكذلك أمور مرتبطة بالرسوم الجمركية المفروضة على البضائع الصينية. لكنه يعتقد في الوقت نفسه، أن الصين تُلاعب الغرب والولايات المتحدة، باتباع سياسة الضغط بالمصالح المشتركة بينهما.