تشهد أوروبا تحولاً ملحوظاً في الخريطة السياسية مع صعود اليمين المتطرف في عديد من الدول الأوروبية، وقد تجلى هذا الصعود بوضوح في الانتخابات الأخيرة، التي حققت فيها أحزاب أقصى اليمين مكاسب كبيرة، مستغلة القلق الشعبي المتزايد حيال قضايا الهجرة والأمن والهوية الوطنية.
تقدم هذه الأحزاب يعكس تزايد تأييد الخطاب القومي والمحافظ الذي ينتقد الاتحاد الأوروبي ويرفض السياسات الليبرالية التقليدية، ما يثير تساؤلات حول مستقبل الوحدة الأوروبية واستقرارها.
تأثير صعود اليمين المتطرف في السياسات الأوروبية يشمل التركيز بشكل أكبر على ملفات مثل الهجرة والأمن والتجارة، لا سيما وأن الحكومات التي يشارك فيها أو يدعمها اليمين المتطرف اتخذت سياسات أكثر تشدداً تجاه الهجرة، ما أدى إلى تزايد القيود على اللاجئين والمهاجرين.
كما أن من شأن هذه التغيرات التأثير بشكل أو بآخر على العلاقات التجارية والسياسات الاقتصادية، مع تزايد الدعوات للحمائية الاقتصادية وتقليل الاعتماد على التكتلات الاقتصادية الكبرى.
ومن شأن صعود الأحزاب القومية والشعبوية في جميع أنحاء أوروبا أن يعرقل أو يصعب في أفضل الأحوال الموافقة على تشريعات مختلفة، بما في ذلك قضايا تتراوح بين تغير المناخ وملفات السياسة الزراعية للسنوات الخمس المقبلة.
خبير العلاقات الدولية، الدكتور أيمن سمير، يصف النتائج التي تبرز تقدم أقصى اليمين في أوروبا بكونها «نتائج شديدة الخطورة على مستقبل الاتحاد»، مشدداً على أن العوامل الاقتصادية كانت من أهم المحفزات لمثل هذا التقدم، منها على سبيل المثال ارتفاع التضخم في أوروبا، لا سيما بعد الحرب في أوكرانيا، فضلاً عن معضلة تخصيص أموال كثيرة لدعم كييف وتأثير ذلك اقتصادياً في نمط الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمواطن الأوروبي، الأمر الذي دفعه للتصويت والاتجاه يميناً.
أغلبية
وتوقع ألا تتجه أحزاب اليمين إلى التحكم في سياسات أوروبا، لا سيما أنه ما زالت الأحزاب والتحالفات الأخرى في البرلمان الأوروبي لديهم الأغلبية الكبرى.
لكنه أوضح أن أبرز التأثيرات التي يمكن أن تنعكس على أوروبا من تلك التغيرات تتمثل في أن فكرة التوسع وضم دول جديدة سوف تتأخر بعض الشيء.
من جانبه، أفاد الباحث في العلاقات الدولية، محمد عطيف، بأن ثمة تحوّلات يمكن أن تطرأ على المشهد السياسي في أوروبا بعد تقدم اليمين المتطرف في الانتخابات الأخيرة والنتائج الإيجابية التي أحرزها، لا سيما في كل من فرنسا وألمانيا وغيرهما، موضحاً أن هذا الصعود يعكس تقلص ثقة الناخبين الأوروبيين في القوى التقليدية، وبما يدعم صعود قوى ضاغطة في صناعة القرار داخل البرلمان الأوروبي تتبنى أيدلوجيات خاصة، الأمر الذي يعني سياسات أوروبية جديدة تسعى تلك القوى إلى أن تدفع بها في عديد من الملفات الأساسية.
ومن الملفات الأساسية التي من المرجح أن تأتي في موضع متقدم بالنسبة للمتغيرات المرتقبة مع تقدم أحزاب أقصى اليمين هو ملف الهجرة الذي يحتل مكانة خاصة في أجندة تلك الأحزاب، باعتباره من القضايا الأساسية، وبما يعزز قلق العائلات والمجموعات المهاجرة في جميع أنحاء القارة بشأن مستقبل وسلامتهم في القارة العجوز.
وبحسب عطيف، فإن تقدم اليمين المتطرف في البرلمان الأوروبي يشكل دفعاً ببعض التصورات المختلفة في ملفات جوهرية، من بينها ملف الهجرة، وبالتالي يُتوقع أن يواجه المهاجرون ضغوطات واسعة في السنوات الخمس المقبلة انطلاقاً من سياسة تلك الأحزاب إزاء المهاجرين.