شهدت الانتخابات الفرنسية الأخيرة مفاجآت واسعة، بعد أن غلفتها تقلبات وتحولات سياسية حادة ألقت بظلالها على المشهد السياسي الفرنسي.
منذ الجولة الأولى، بدا واضحاً أن هذه الانتخابات لن تكون تقليدية، خصوصاً مع تحقيق اليمين المتطرف، ممثلاً في حزب التجمع الوطني، نتائج إيجابية وإن كانت متوقعة إلى حد كبير.
فيما نجح اليسار (ممثلاً في الجبهة الشعبية الجديدة) في الجولة الثانية التي أجريت الأحد الماضي في التقدم وتحقيق المفاجأة، ومن ثم انقلاب المشهد إلى اليسار من أقصى اليمين في أسبوع واحد.
غير أنه مع هذا التحول المفاجئ، لم يستطع أي تيار حسم الأغلبية لنفسه؛ ففيما حل اليسار أولاً يليه حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وحلفاؤه، ثم حزب التجمع الوطني اليميني، تهدد أزمة جمود سياسي المشهد في باريس، حيث سيناريوهات «برلمان معلق»، وبما يضع البلاد تحت وطأة حالة عدم اليقين، ومع الصعوبات التي تفرض نفسها على المشهد فيما يخص تشكيل الحكومة في وقت لاحق.
ويهدد ذلك المشهد بعدم القدرة على اتخاذ قرارات حاسمة بسبب التوازن الدقيق للقوى وعدم وجود أغلبية حاسمة لأي طرف..
وهو السيناريو الذي يثير مخاوف الفرنسيين بشكل كبير، خصوصاً في ظل عديد من التحديات التي تواجه باريس حالياً، وأهمها التحديات الاقتصادية المتفاقمة، علاوة على قضايا أساسية مثل قضايا: الهجرة والأمن والتعليم والصحة، والتي تتطلب جميعها استجابات سريعة.
تحديات صعبة
من باريس، يوضح الكاتب الصحافي، نزار الجليدي، أن فرنسا أمام تحديات صعبة، مشيراً إلى أن البلاد منذ الجولة الثانية من الانتخابات دخلت في فوضى في الحكم، وحتى هذه اللحظات لا يمكن التنبؤ بأي فريق سيحكم، وأي رئيس حكومة سيكون.
ويضيف: «أمام هذه الوضعية السياسية الجديدة التي لم تعرفها فرنسا منذ سنوات طويلة، من المنتظر أن يذهب ماكرون إلى تعيين حكومة تكنوقراط، لتجاوز الفوضى السياسية، حتى يستطيع أن يتجاوز الأزمات العالقة الآن، خصوصاً وأن فرنسا مقبلة على موسم رياضي مرتبط بالألعاب الأولمبية».
ولا شك أن نتائج الانتخابات الفرنسية الأخيرة، فتحت فصلاً جديداً في السياسة الفرنسية. ومع ذلك، يبقى الأمل معقوداً على قدرة الفرنسيين وقيادتهم السياسية على تجاوز هذه التحديات وتحقيق الاستقرار والازدهار للبلاد، من خلال التوصل لتفاهمات تساير التحولات السياسية الراهنة.
بينما الأيام المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مسار باريس المستقبلي، وما إذا كانت ستتمكن من التغلب على التحديات الحالية والانطلاق نحو مستقبل أكثر إشراقاً واستقراراً، بحسب الكاتب والمحلل المقيم في فرنسا، علي المرعبي، والذي يقول:
«في الحقيقة لا نستطيع أن نسمي البرلمان برلماناً معلقاً، ولكن هو برلمان دون غالبية مطلقة، رغم ذلك هناك غالبية نسبية يتمتع بها اليسار الممثل في الجبهة الشعبية الجديدة، وهناك أيضاً أغلبية نسبية يتمتع بها تيار الرئيس إيمانويل ماكرون (يمين الوسط) خصوصاً إذا تحالف مع الحزب الجمهوري».
تفاهم
ويعتقد أنه إذا تم التفاهم بين اليسار ويمين الوسط فإن الأمور ستحسم إلى حد كبير.. غير أنه يرى أنه أمام الخلافات الواسعة في ملفات كثيرة بينهما سواء على الصعيد الداخلي وكذلك الخارجي، فمن هنا ستكون هناك صعوبة في التفاهم..
لكن ذلك التفاهم المنشود يظل سيناريو وارداً ومرحلياً. ويستطرد: الأيام المقبلة ستكون كاشفة بشأن السيناريو الأقرب للتحقق، في ضوء تلك المعطيات التي تفرض نفسها على المشهد.
وعلى جانب آخر، تعتبر الانتخابات الفرنسية ذات أهمية كبيرة ليس فقط على الصعيد الداخلي، بل أيضاً على مستوى الاتحاد الأوروبي، ذلك أن باريس تعد واحدة من أكبر الدول الأعضاء في الاتحاد، وأي تغيير في توجهاتها السياسية يؤثر بشكل مباشر على سياسات الاتحاد الأوروبي.
كذلك فإن موقف الأحزاب الفرنسية من القضايا الأوروبية، مثل السياسة الاقتصادية المشتركة، والهجرة، والدفاع، سيكون له تأثير كبير على كيفية تعامل الاتحاد مع التحديات المقبلة.