يبدو احتمال أن يقدم المرشح الجمهوري للانتخابات الأمريكية دونالد ترامب في حالة عودته مجدداً إلى البيت الأبيض، على الانسحاب من حلف الناتو، مصدراً كافياً لقلق كبير لدى دول الحلف.
هذا الاحتمال ليس تصوراً نظرياً، فقد أثاره جون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق في إدارة ترامب، حين قال، في فبراير الماضي، لصحيفة Die Welt الألمانية، إنه مقتنع بأن ترامب سوف ينسحب من الحلف، إذا عاد رئيساً.
المساعد السابق لترامب قال بالحرف: «أعتقد أن ترامب لا يمزح بشأن انسحاب الولايات المتحدة من الحلف»، بل إن بولتون ذهب أبعد من ذلك حين قال إن «احتمال إضعاف الناتو لا يقلق ترامب، وهو يرى أن الولايات المتحدة تقدم الحماية للدول الأوروبية وكندا، ولا تتلقى شيئاً في المقابل».
ترامب نفسه قال علناً أكثر من مرة إنه لا يجب على الولايات المتحدة الدفاع عن دول الناتو التي لا تدفع مستحقاتها للحلف، فيما أشارت تقارير سابقة إلى أنه، في حالة إعادة انتخابه، قد يتخلى عن فكرة توسيع «الناتو» شرقاً ويلغي الضمانات الأمنية لدول الحلف التي يقل إنفاقها الدفاعي عن 2 % من الناتج المحلي الإجمالي.
صحيفة «بوليتيكو» نقلت مطلع هذا الشهر عن خبيرين في الأمن القومي من أنصار ترامب، قولهما: «إن ترامب يعمل على اتفاق يلتزم بموجبه الناتو بعدم التوسع شرقاً، ولا سيما في أوكرانيا وجورجيا».
وبحسب الصحيفة فإن ترامب يدرس صفقة من شأنها المساهمة في التوصل إلى اتفاق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن الدول التي يمكنها الانضمام إلى الحلف في المستقبل.
وفي حديث أمام أنصاره في كارولينا الجنوبية في فبراير الماضي، تحدث ترامب عن أحد اجتماعاته مع زعماء الدول الأعضاء في «الناتو»، وقال إن أحد هؤلاء الزعماء سأله عما إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة للدفاع عن دولة عضو في الحلف حال وجود تهديد محتمل من روسيا، إذا لم تدفع تلك الدولة، فرد ترامب بأنه «لن يدافع عن مثل هذه الدولة»، وعلاوة على ذلك، فإنه «سيشجع روسيا على فعل ما تريد بها».
أوروبا في خطر
ويرى خبراء غربيون أنه في ضوء التعاون المتزايد بين الصين وروسيا والانسحاب الأمريكي المحتمل من «الناتو»، فإن أوروبا «ستكون في خطر كبير».
من ذلك، ما عبر عنه رافائيل لوس، زميل السياسة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إذ قال إن الولايات المتحدة «تسهم بقدر كبير في القدرات العسكرية لحلف الناتو وبعض هذه القدرات تعد ركيزة مهمة في الدفاع عن أوروبا، ولا يمكن للأخيرة تعويض المساهمة الأمريكية داخل الحلف».
في ضوء المشهد الذي سيشكل مع عودة ترامب المحتملة، يسعى الكثير من السياسيين الأوروبيين في الوقت الحالي إلى الخروج بطريقة ملائمة للتعامل مع ترامب، حتى لو لم يتحدثوا عن ذلك علناً.
في مقابلة مع قناة «DW» الألمانية، يقول بيير هاروش، الزميل المشارك بمعهد جاك ديلور، إن «الحقيقة تشير إلى عدم طرح أي شيء حتى الآن على الطاولة فيما يرجع ذلك جزئياً إلى عدم رغبة قادة أوروبا في بعث رسالتين، الأولى تفيد بتوقع عودة ترامب إلى الحكم والثانية عن الاستباق بشأن تخليه عن أوروبا في حالة فوزه».
بيد أن خبراء يقولون إن بعض مسؤولي الأحزاب في أوروبا شرعوا في إيجاد طريقة للتواصل مع أشخاص قريبين من ترامب في ضوء تقدمه في استطلاعات الرأي الأخيرة.
ماذا عن أوكرانيا؟
موقف ترامب من «الناتو» ليس منعزلاً عن موقفه من حرب الحلف مع روسيا على الساحة الأوكرانية، حيث تشعر العديد من الدول الأوروبية بالقلق من أن يقدم ترامب، في حالة عودته إلى البيت الأبيض، على التخلي عن أوكرانيا.
دونالد جونيور
وليس أدل على ذلك مما قام به دونالد جونيور، نجل الرئيس السابق، فور إعلان الرئيس جو بايدن الانسحاب من سباق الرئاسة، حيث سخر ترامب الابن من الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، على شبكة «إكس»، ونشر «لقطة شاشة» لهاتف بايدن، مع 52 مكالمة فائتة لم يرد عليها من زيلينسكي.
وتضمنت الصورة عدداً من الرسائل المفترضة التي تلقاها بايدن من زيلينسكي، ومنها: «سيظل هناك مال لي، أليس كذلك؟، أنا خائف، من فضلك أجب!».
ويعزو خبراء حالة القلق إلى فرضية أن ترامب الرئيس سوف يسعى إلى إنهاء حرب أوكرانيا، بما يحمل في طياته الضغط على كييف للتنازل عن الأراضي التي ضمتها روسيا.
يقول رافائيل لوس «إذا قرر ترامب التوصل إلى أي ترتيب مع بوتين لإنهاء الحرب في أوكرانيا والتخلي عن أوكرانيا، فإن ذلك سوف يضاعف من وتيرة التهديدات التي تواجهها بقية بلدان أوروبا».
ويبدو أن ترامب ليس وحده ما يقلق أوروبا وإنما أيضاً السيناتور الجمهوري جيمس ديفيد فانس الذي اختاره لتولي منصب نائب الرئيس في حال فوزه بالانتخابات الرئاسية.
وتعيد بعض التقارير للأذهان قول فانس في 2022 «لا يهمني حقاً ما يحدث في أوكرانيا بطريقة أو بأخرى»، وقوله، خلال حضوره مؤتمر ميونيخ الأمني في وقت سابق من العام الجاري، إن التركيز الأمني للولايات المتحدة سيتحول إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ، داعياً أوروبا إلى إدارة شؤونها بنفسها.
وقال «هناك الكثير من الأشرار في جميع أنحاء العالم. وأنا في الوقت الحالي مهتم ببعض المشكلات في شرق آسيا أكثر من اهتمامي بأوروبا».
ثلاثة أسباب
وفي مقابلة مع «DW»، يقول ديفيد مكاليستر، النائب في البرلمان الأوروبي عن الحزب المسيحي الديمقراطي، إن القلق الأوروبي من فانس يعود إلى ثلاثة أسباب، الأول: «معارضة فانس بشدة لزيادة الدعم الأمريكي لأوكرانيا في حربها ضد روسيا، والثاني: دعمه فرض رسوم جمركية إضافية على الواردات من أوروبا، والسبب الثالث: انتقاده اعتماد أوروبا المفرط على اليورو».
ويقول خبراء: إن تعاطي ترامب مع القضايا المتعلقة بأوروبا خلال رئاسته، أدى إلى تشجيع قادتها على محاولة إدارة المزيد من المسائل الدفاعية بشكل مستقل.
وخلال رئاسة ترامب، أنشأ رئيس المفوضية الأوروبية آنذاك جان كلود يونكر صندوق الدفاع الأوروبي عام 2017 في خطوة ترمي إلى تعزيز الاستقلالية الأوروبية في مجال الأمن.
لكن، هل تستطيع الدول الأوروبية أن تمضي قدماً في هذا الطريق، بحيث تستغني عن المظلة الأمريكية؟ كثير من الخبراء يشككون في ذلك.