تشهد الولايات المتحدة الأمريكية، وبخاصة منطقة جنوب فلوريدا، حالياً صيحة جديدة في عالم التعليم ترفع شعار "تعليم تحت الطلب" تتيح لأولياء الأمور خيارات لا تحصى من البرامج الدراسية التي يمكنهم اختيارها لأطفالهم.
وأصدرت منظمة "خطوة إلى الأمام من أجل الطلاب" غير الهادفة للربح التي تقدم منحاً دراسية للطلاب في ولاية فلوريدا الأمريكية تقريراً أشار إلى وجود "عدد صغير لكنه يتزايد من موفري خدمة التعليم الإضافي الانتقائي أو مشغلي الفصول الدراسية ذات الموضوع الواحد أو المعلمين ذوي الطبيعة الخاصة" الذين يقدمون الفرص التعليمية وفقاً لطلب ولي الأمر أو الطالب.
وفي تقرير نشره موقع معهد كاتو الأمريكي للأبحاث، تناولت كولين هررونسيش الباحثة في مركز الحرية التعليمية التابع للمعهد تجربة الدكتورة نيمي ميجنوكشي لتوفير خدمة تعليمية انتقائية جديدة من خلال مؤسستها التي تحمل اسم "عين عالم".
فبعد حصول نيمي على درجة الماجستير في علم النفس التجريبي والأحياء والدكتوراه في علم الأعصاب والأحياء التكاملي، قررت ألا تستمر في الحقل الأكاديمي والتوجه إلى العمل الميداني في مجال التعليم، إذ تقول: "العالم الأكاديمي ليس عالمي، كنت أريد العمل التربوي... كانت نقطة قوتي تتمثل في مراقبة التلاميذ في التجارب المعملية. وخلال برنامجي البحثي كان كل طالب في المرحلة الثانوية يأتي إلي ويعرض فكرة صعبة بالنسبة له. كان من السهل علي شرح هذه الأفكار المعقدة للأطفال".
لم تكن نيمي راضية عن طريقة تدريس مادة العلوم للأطفال في الولايات المتحدة لأنها تعتمد على الجوانب النظرية، وترى أن الأساليب العملية هي الأنسب لهذه المادة وتقول: "العلماء تعلموا بالممارسة... لذلك لماذا لا يتعلم الأطفال الآن بالممارسة"، لذلك فكرت في تطوير أسلوب جديد يتيح للأطفال تعلم العلوم بالطريقة الصحيحة.
وفي هذه الأثناء، حصلت على فرصة لتدريس الجزء العملي من مادة العلوم في مدرسة صغيرة تستخدم أسلوب مونتيسوري؛ وهو نظام تعليم للأطفال بطريقة تتناسب مع نموهم واحتياجاتهم. وقد تعلمت الكثير من احتكاكها بمعلمي المونتيسوري ومع إحدى المؤسسات التعاونية التي تقدم التعليم المنزلي. وقد ساعدتها هذه الخبرة في تصميم منهجها المعروف باسم "عين عالم".
وفي يناير 2021، تجمعت الأمور لدى نيمي في الوقت الذي كانت تطور فيه الأساليب والدروس التي ستستخدمها في تدريس الموضوعات المختلفة.
وتقول: "بشكل أساسي ما كنت أريده هو توفير إحضار المعمل للتلاميذ بحيث يرون العالم كله باعتباره معمل كبير، وإضفاء قدر من الحيوية على أي موضوع نتحدث عنه من خلال تحويله إلى مادة في المعمل... حاولت جعل فصولي صغيرة بحيث لا يزيد عدد تلاميذ الفصل الواحد عن 10، لأنني أرى أن هذا العدد المحدود يجعل العلاقة بين المعلم والتلميذ حميمية للغاية. كما أن العدد الصغير يساعدها في اكتشاف الطالب الذي لم يفهم الموضوع أو الذي شرد أثناء الشرح".
وتصمم نيمي فصولها بحيث يستخدم الأطفال الأسلوب العلمي بغض النظر عن الموضوع الذي يدرسونه.
وتقول: "شكلت ثلاث مراحل مختلفة وفقاً للسن: المرحلة الابتدائية الدنيا والابتدائية العليا والمرحلة المتوسطة.. ويخضع جميع الطلاب لسبع أو ثماني وحدات دراسية، وكل وحدة دراسية مخصصة لمجال علمي. لقد أضفت علم الأعصاب وعلم الأحياء الدقيقة، وهما تخصصي الدراسي، لأنني أشعر أن الأطفال يجب أن يتعلموا كيف يعمل جسمهم، وكيف يعمل جهازهم العصبي، ولماذا يعمل جهازهم العصبي بالطريقة التي يعمل بها، ولماذا يفكرون في الأشياء بالطريقة التي يفكرون بها، ولماذا يتفاعلون مع الأشياء بالطريقة التي يتفاعلون بها".
وتعتبر المواد الدراسية للمرحلة الابتدائية الدنيا أكثر تجسيداً لأن الأطفال في هذه السن يفكرون بهذه الطريقة، فهم يحاولون الإحساس بالعالم. والدروس في هذه المرحلة تكون أميل إلى الأبيض والأسود، ويتعامل الأطفال مع تصنيف الأشياء.
أما في المرحلة الابتدائية العليا، فإنها ستضيف بعض درجات "الرمادي" إلى مزيج الموضوعات، والاستثناء من القواعد، ثم يبدأ الأطفال في جمع البيانات باستخدام الرسوم البيانية والجداول.
وفي المدرسة المتوسطة يتم تعليم الأطفال كيفية نشر نتائج أبحاثهم والتفكير في أهميتها ومدى توافقها مع العالم.
وتقول نيمي: "بطريقة ما طورت برنامج أساليب بحث للأطفال.. الأمر لا يتعلق بالعلوم ولا بتعلم كل الحقائق عن العلوم.. الأمر كان يتعلق بكيفية إجراء البحث في أي حقل علمي نغطيه سواء جيولوجيا أو كيمياء أو فيزياء أو علم الأعصاب".
وتقدم نيمي أغلب فصول "عين عالم" في إحدى الحدائق العامة، وتقول إن الكثير من الآباء يقدرون فكرة التعليم في الهواء الطلق.
كما عثرت على مكتبة بها معمل داخلي رائع يمكن استخدامه عند الضرورة. وتنتقل نيمي إلى المدارس متناهية الصغر لتقديم فصول دراسية لتلاميذ هذه المدارس.
وتأمل الباحثة الأمريكية أن تؤسس مبنى خاص بها لتوفير البيئة التي تسمح لها بعرض مجموعة متنوعة من البرامج الموجهة لمختلف الأعمار والقدرات.
كما سيتيح وجود مكان مملوك لها السماح للطلبة بإجراء التجارب والبقاء وقتاً أطول من الوقت الذي يقضونه في الفصل الذي تستخدمه حالياً لتطبيق منهجها في المدارس متناهية الصغر التي تنتقل إليها.
وتشهد تجربة "عين عالم" نجاحاً كبيراً حيث جذبت في العام الماضي نحو 150 طالباً، يدرس نحو 60% منهم من المنزل و40% في المدارس متناهية الصغر.
وتشعر نيمي بسعادة كبيرة عندما ترى الأطفال يتعلمون العلوم التي تقوم بتدريسها لهم، وتقول: "أنا أحب ما أعمله، وأتمنى مواصلة النمو ومشاركة حبي للحياة المعملية مع التلاميذ، وتشجيعهم على الاستمرار في الإيمان بأنفسهم، والثقة في قدرتهم على تعلم أي شيء والتعامل مع العالم باعتباره معملهم".