قالت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية إن الجيش الأمريكي يكافح من أجل العثور على مجندين، وذلك في ظل أن الأمة الأمريكية مليئة بعدم الثقة والانقسام؛ حيث يواجه المجندون مجموعة معقدة من الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي جعلت من الصعب على الجيش بشكل أكبر من أي وقت مضى العثور على مواطنين مستعدين للدخول في الخدمة.
وأشارت الصحيفة إلى أن الولايات المتحدة تمر بواحدة من أسوأ أزمات التجنيد في تاريخ الجيش الأمريكي، والتي تمتد لخمسين عاما، وأنه في محطة تجنيد تومس ريفر بنيو جيرسي كان السيرجنت دان بيستون يتحمل هذا العبء.
وذكرت أنه كان يحاول القيام بدوره لإنهاء تلك الفترة، وأنه كان في يونيو الماضي مسؤولا عن العثور على سبعة مجندين مستعدين للانضمام إلى الجيش، وهي أعلى حصة شهرية في السنة، وقام بيستون بمراجعة قائمة تحتوي على حوالي 30 مرشحا على قائمة رصد المحطة، وفي حال لم يحقق هو وفريقه هذا الرقم فإن حياته المهنية في الجيش ستكون في خطر.
وقالت الصحيفة أن الضغط المستمر الذي كان يشعر به بيستون وفريقه يعكس المعضلة الكبيرة التي يمر بها الجيش الأمريكي والبلاد، كل أفرع الجيش، باستثناء قوات المارينز، لم تحقق هدفها في التجنيد عام 2023، وكان الجيش، الذي لم يحقق أهدافه لعامين متتاليين، يهدف إلى تجنيد 55 ألف مجند في عام 2024، وهو أقل بحوالي 10 آلاف فرد من الهدف المفقود العام الماضي.
وأوضحت أن الهدف الجديد لم يكن محددا بناء على التهديدات التي تواجه البلاد، أو مقدار المال الذي يرغب الكونجرس في إنفاقه، أو عدد الدبابات والطائرات المروحية التي يمكن أن يستخدمها البنتاجون، ولكنه كان انعكاسا لعدد الأشخاص الذين اعتقد كبار المسؤولين في الجيش أن الفرع يمكنه العثور عليهم.
وقالت الصحيفة إن جنود فرع التجنيد في جميع أنحاء البلاد كانوا يكافحون من أجل العثور على جنود بين مجموعة تتقلص من الشباب المؤهلين، فقط حوالي 23% من جميع الأمريكيين بين سن 17-24 يستوفون معايير الجيش البدنية والأخلاقية والتعليمية.
وكان بيستون وفريقه أيضا يبحثون عن مرشحين في وقت تنهار فيه ثقة الأمريكيين في بلدهم، لم يكونوا يروجون فقط لوظيفة، كانوا يطلبون من الشباب وضع ثقتهم في قادة بلدهم، الذين يمكنهم إرسالهم إلى الحرب، وفي مواطنيهم الآخرين، الذين سيقاتلون بجانبهم، كانوا يروجون لأمريكا.
وأكدت الصحيفة أن جنود التجنيد كلما خرجوا من المكتب، كان الناس يشكرونهم على خدمتهم، لكن كان من الصعب بشكل متزايد في بلد متزايد الانقسام والتشاؤم العثور على شباب يرغبون في أداء قسم الولاء للدستور والخدمة.
وأوضحت أن حوالي 9% فقط من الشباب يقولون إنهم من المحتمل أن ينظروا في الخدمة العسكرية، وهو ما يمثل تراجعا من 16% في السنوات الأولى لحرب العراق وأفغانستان، وفقا لاستطلاعات وزارة الدفاع الأمريكية.
وألقى المسؤولون في البنتاجون اللائمة في الإنخفاض الأخير على سوق العمل الساخن، لكنهم أيضا كانوا يعلمون أن معدل البطالة المنخفض لا يمكنه تفسير مجمل المشكلة.
وألمحت الصحيفة إلى أن الثقة في جميع المؤسسات الأمريكية، المحكمة العليا، الكونجرس، الشرطة، المدارس العامة، قد انخفضت في السنوات الأخيرة، وفقا لإستطلاع مؤسسة جالوب.
وقالت إن القوات المسلحة الأمريكية، على الرغم من أنها لا تزال شائعة نسبيا، لم تكن محصنة من انعدام الثقة، ففي عام 2023، قال حوالي 60% من الأمريكيين إنهم يثقون في الجيش "بدرجة كبيرة"، وهي أدنى نسبة منذ عام 1997.
وقالت وزيرة الجيش الأمريكي كريستين ورموث في مقابلة "هناك علاقة بين هذا الرقم المحتمل وما تراه في الاستطلاعات حول الثقة في المؤسسات، والفخر بالبلد، ومستويات الوطنية".
وأشارت الصحيفة إلى أن الجنود حاليا يجري توزيعهم في جميع أنحاء العالم، يدربون الجنود الأوكرانيين لمحاربة الروس ويعملون جنبا إلى جنب مع الحلفاء لردع الصين وكوريا الشمالية وإيران، ولفتت إلى أن الدافع القديم لدخول الشباب للقوات المسلحة الأمريكية قد خفت مثل هجمات 11 سبتمبر والحربي في العراق وأفغانستان، موضحة أن الشباب في الوقت الحالي ينظرون إلى تلك الأحداث باعتبارها بعيدة التحقيق أو أنها خطأ تاريخي.
ونوهت إلى أن أكبر تغيير في وجهات النظر تلك كان سياسيا، حيث أن المرشحين الرئاسيين من الحزب الجمهوري والديمقراطي يوجهون تحذيرات بأن أخطر التهديدات لأمريكا تأتي من داخل حدودها، وأن منافسهم، إذا تم انتخابه، سيسبب للبلاد تحولا نحو الاستبداد.
وأوضحت أن جائحة كورونا وإغلاق المدارس قد سرعت من وجود توجهات سلبية طويلة الأمد تؤثر على أعداد المجندين المؤهلين، حيث ارتفعت معدلات البدانة، وانخفضت درجات من يخضعون لإختبار مدفعية القدرات المهنية للقوات المسلحة الأمريكية.
وقالت الصحيفة أنه مع نهاية الحرب الباردة، أصبح الجيش أصغر وأكثر انتقائية ومعزولا عن باقي البلاد، وأعربت وزير الجيش الأمريكي عن قلقها قائلة "نحن نغلق على أنفسنا"، مضيفة أنه اليوم 81 % من مجندي الجيش يأتون من العائلات العسكرية، وفي استطلاعات البنتاجون، قال الأمريكيون الشباب وأسرهم إن لديهم القليل من المعلومات عن القوات المسلحة.
وأضافت إنه حتى الآن، يبدو أن المبادرات التي يقوم بها لجيش تساعده على الخروج من الحفرة التي خلفتها سنتان من النقص، ويتوقع المسئولون تجاوز هدف هذا العام البالغ تجنيد 55 ألف شخص بعدد قليل من المجندين وتحديد هدف أعلى لعام 2025، رغم أنهم يحذرون من أن القوى الاجتماعية قد تواصل تقليص قاعدة المتقدمين.