دخلت الولايات المتحدة الأمريكية مرحلة جديدة من تفاعلها مع الوضع الليبي المتأزم، بوضع خطة للتحرك نحو الحدود الجنوبية للحؤول دون وقوعها تحت تأثير التحولات الجيوسياسية والصراعات الأهلية واتساع دائرة الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء.
وأوضح المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى ليبيا، ريتشارد نورلاند، أن بلاده تتبنى اتجاهاً جديداً يركز على جنوب ليبيا، الأمر الذي فسره مراقبون بأنه محاولة للعمل على تحييد ليبيا عن التطورات التي شهدت دول غرب أفريقيا مؤخراً، بإجلاء القوات الفرنسية والأمريكية مقابل تسجيل تمدد غير مسبوق للنفوذ الروسي في دول مثل النيجر ومالي وبوركينا فاسو.
واستقبل القائد العام للجيش الوطني، المشير خليفة حفتر، الاثنين الماضي، وفداً أمريكياً رفيع المستوى، برئاسة مساعدة وزير الدفاع للشؤون الأمنية الدولية سيليست والاندر، ونائب قائد القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا «أفريكوم» الفريق جون برينان، والقائم بالأعمال في سفارة الولايات المتحدة لدى ليبيا جيريمي برنت.
وأعرب حفتر، خلال اللقاء، عن تقديره للمساعي والجهود المبذولة من قبل الولايات المتحدة للمساهمة في حل الأزمة الليبية. وقال المكتب الإعلامي لقيادة الجيش، إن الطرفين بحثا خلال اللقاء آفاق التعاون والتنسيق المشترك لدعم جهود القوات المسلحة للقضاء على الإرهاب والتطرف ومكافحة الهجرة غير الشرعية.
فضلاً عن مناقشة آخر تطورات الأزمة الليبية والتأكيد على أهمية إحراز تقدم في العملية السياسية بهدف تهيئة الظروف المناسبة لإجراء الانتخابات في ليبيا.
ووفق مصادر ليبية مطلعة، فإن الوفد الأمريكي أكد ضرورة تنفيذ مشروع تشكيل القوة الليبية العسكرية الموحدة التي تم التوافق عليها في صلب اللجنة المشتركة 5+5 لتمارس المهام الموكلة إليها وعلى رأسها تأمين الحدود الجنوبية الليبية المشتركة مع السودان وتشاد والنيجر، كما شدد على ضرورة أن تبقى ليبيا بمنأى عن التحولات الدراماتيكية التي تشهدها بعض دول الجوار الأفريقي.
وكان المشير حفتر قد استقبل 27 أغسطس الماضي قائد «أفريكوم» الجنرال مايكل لانغلي، حيث ناقش معه تطوير الشراكة وتبادل الخبرات في المجالات العسكرية والأمنية، وهو ما رأى فيه متابعون للشأن الليبي اعترافاً بالواقع الذي فرضته موازين القوى في البلاد، وسعياً من واشنطن لتوطيد علاقاتها مع قيادة الجيش الوطني لقطع الطريق أمام استمرار التمدد الروسي في البلاد وفي منطقة شمال وغرب أفريقيا.
نقل رسائل
ووفق المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى ليبيا، ريتشارد نورلاند، فإن زيارة الجنرال لانغلي الأخيرة إلى ليبيا كانت تستهدف نقل عدة رسائل إلى طرابلس وبنغازي.
وأن واحدة من الرسائل كانت تتضمن إشارة للفرقاء بأن الاضطرابات في منطقة الساحل وعدم الاستقرار على الحدود الجنوبية لليبيا تستدعي أهمية تأمين الحدود لحماية سيادتها، وأنه لتحقيق ذلك يجب على قوات الأمن في الشرق والغرب البدء في تنسيق أنشطتها وتبادل الخبرات والمعرفة، مردفاً: «ربما يمكن للولايات المتحدة أن تسهم في هذه التفاهمات المشتركة، ما يساعدهم في العمل معاً لتأمين حدودهم».
وتابع المبعوث الأمريكي أن هناك عودة لاهتمام بلاده بمساعدة الشعب الليبي والدول المجاورة، معتبراً أن السماح لهذا الوضع الراهن بالاستمرار ليس طريقاً للاستقرار، مشيراً إلى أن واشنطن عملت خلال العامين الماضيين على قانون الهشاشة العالمية وهو استراتيجية جديدة لمنع العنف وتعزيز الاستقرار.
تحقيق استقرار
وإذا كانت الفكرة تتمثل في دمج الدبلوماسية وتطوير القدرات الدفاعية في نهج شامل وليس عسكرياً فقط، فإن ليبيا كانت واحدة من البلدان التي وقع الاختيار عليها لتكون بمثابة برنامج تجريبي لهذا النهج الجديد. وقال نورلاند:
«سنبدأ بالتركيز على الجنوب الليبي وهو منطقة جرى تهميشها وقريبة من بؤرة الاضطرابات في منطقة الساحل»، حيث ستعمل الولايات المتحدة في عدة مجالات مثل التنمية السياسية والدفاعية تسهم في تحقيق الاستقرار مثل مساعدة المجموعات في المنطقة بعد الصراع في 2019 و2020.