في عام 1976 ولد «جان كوم» الابن الأول والوحيد لأسرة فقيرة كانت تعيش كغيرها من الأسر في العاصمة الأوكرانية «كييف». لم يستمر أبوه مع أمه كثيراً بعد مولده، فاضطرت إلى العمل في أعمال كثيرة متدنية لتعول ابنها.
عندما بلغ من العمر 16 سنة هاجرت به إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث عاشا على كوبون الإعانة الحكومية من هيئة الخدمات الاجتماعية، لكن هذه الإعانة لم تكن تكفي، فعملت الأم جليسة للأطفال، أما ابنها «جان كوم» فأخذ يدور على المحال لتنظيف أرضياتها مقابل دولارات بسيطة في اليوم، وكان في الوقت نفسه يجتهد في دراسته إلى أن اجتاز المرحلة الثانوية والتحق بجامعة ستانفورد.
حيث حصل على شهادة البكالوريوس في علوم الكمبيوتر وعمره 20 سنة، وفي عام 1998 عمل مهندس برمجيات في شركة «ياهو»؛ حيث التقى صديق عمره وشريكه في رحلة نجاحه مستقبلاً بريان أكتون، في الوقت الذي ماتت فيه أمه تقريباً.
وأشار عليه صديقه بالتقدم للعمل في شركة «فيسبوك»، ولكن قوبل طلبهما بالرفض، وكتب المسؤول عن التوظيف بعد اختبارهما عبارة «ليسا بالكفاءة ولا الخبرة المطلوبة» التي كانت دافعهما القوي إلى التحدي وتحقيق النجاح؛ حتى إن مارك زوكربرج، مؤسس وصاحب فيسبوك نفسه، بحث عنهما فيما بعد ليعملا عنده.
التسويق التكنولوجي
كان كوم وبراين قد اكتسبا خبرة كبيرة في مجال التسويق التكنولوجي، ومن خلال مراسلاتهما مع الجمهور قررا إطلاق «تطبيق مجاني» للمحادثات «التشات» والرسائل الفورية السريعة، وأخذا يعملان من خلاله بشكل مستمر في أي مكان:
بالمنزل أو الشارع أو المقهى، حتى عندما كانا يذهبان إلى السينما أو الشاطئ، وعندما وجدا الوقت المناسب قررا إطلاقه في السوق باسم «واتساب» وهو اسم قريب في نطقه من كلمة «ما الجديد؟» بالإنجليزية What’s Up. وبعد 5 سنوات وصل عدد مستخدميه إلى 450 مليون مستخدم حول العالم، ووصلت قيمته السوقية إلى نحو 8 مليارات دولار.
19 مليار دولار
ولأن زوكربرج لا يحب أن ينافسه أحد في السوق؛ فقد قدم لكوم وبراين عرضاً لشراء تطبيقهما، ووجد الصديقان الفرصة لرد الصفعة إلى فيسبوك، فرفضا العرض. لكن مارك لم يهدأ، فكرر عرضه سنة 2014 بعد سنوات من نجاح «واتساب» المدوي، ولكن بقيمة 19 مليار دولار هذه المرة، فلم يستطع الصديقان مقاومة هذا العرض المغري.
ووافقا على صفقة الاستحواذ التي وصفت حينذاك بأنها «أضخم صفقة في مجال التكنولوجيا في العالم»، وانضم جان إلى مجلس إدارة فيسبوك، إلى أن أعلن استقالته في سنة 2018 عبر منشور «مؤثر» نشره على حسابه على فيسبوك، بسبب عدم موافقته على طريقة استخدام فيسبوك للبيانات الشخصية للمستخدمين، ومحاولاتهم لتقليل مستوى تشفير البيانات، قائلاً:
«لقد حان وقت المغادرة، لقد كنت محظوظاً بالعمل مع هذا الفريق الصغير لتقديم تطبيق يستخدمه عدد هائل من الأشخاص في جميع أنحاء العالم بطرق أكثر بكثير مما كنت أتصوره، وفريق العمل أقوى من أي وقت مضى. سأمضي بعض الوقت لأقوم بأشياء أستمتع بها خارج نطاق التكنولوجيا، مثل جمع سيارات بورشه النادرة، أو لعب «فريسبي»، أو الطبق الطائر، في الهواء الطلق، وسأتابع دوماً أعمال وتطورات مسيرة واتساب ولكن من خارج الشركة.. شكراً لكل من جعل هذه الرحلة ممكنة».
وبدوره علق مارك على منشور كوم قائلاً: «جان، سأفتقد العمل بالقرب منك، وأنا ممتن لكل شيء فعلته لمساعدة العالم على التواصل ولكل شيء علمتني إياه وخصوصاً التشفير وقدرته على نقل القوة من الأنظمة المركزية ووضعها بين أيدي الناس، وهذه القيم ستظل دائماً في قلب واتساب».
نصائح من ذهب
يحرص جان كوم دائماً على تقديم النصائح لرواد الأعمال المبتدئين والباحثين عن الاستقلال المالي، لمساعدتهم على تجاوز التحديات التي تواجههم في تأسيس مشاريعهم الخاصة، ويلخص نصائحه فيما يأتي:
احرص على أن تكون رئيس نفسك لأنك إذا لم تقم ببناء حلمك في سن مبكرة فسوف يأتي شخص آخر لتوظيفك، «استمع إلى آراء الآخرين» فهذا يساعد على اكتشاف الأخطاء والعمل على معالجتها، «تعلم من أخطائك» لأن ذلك يساعد على اكتشاف المزيد من المهارات الجديدة واكتساب مناعة قوية لتقبل كل الصدمات و«امنح نفسك وقتاً للراحة» فهذا يساعد على اكتشاف الفرص لتطوير أعمالك، واستعد لتحمل المخاطر بوضع استراتيجيات قوية وفعالة، والتخطيط بشكل جيد بما يكفي لضمان الوصول إلى النجاح.