مع اعتبار العديد من مشاهير المؤرخين جيمي كارتر أعظم رئيس سابق في الولايات المتحدة على مدار التاريخ المعاصر، فقد سلط ذلك الضوء على ما فعله رؤساء آخرون بعد مغادرتهم البيت الأبيض، مقارنة بالرجل الذي رحل عن عمر ناهز 100 سنة حمل في 44 منها لقب رئيس سابق، وهي السنوات التي راكم فيها إنجازاته الإنسانية، المتوجة بجائزة نوبل للسلام عام 2002.
وبالنسبة للمؤرخين، فقد قدم جيمي كارتر للأمريكيين نموذجاً مثالياً لحياة ما بعد الرئاسة، وفي الواقع، يعتبره البعض أعظم رئيس سابق، حسبما ذكر مركز ميلر بجامعة فيرجينيا في عام 2013. بينما خاضت الختامات الأخرى تجارب خاصة بها، بعضها كان مثيراً لدرجة أن أحد الشخصيات قال ذات يوم بعد تجربة حياتية جديدة: «لقد نسيت على الإطلاق أنني كنت رئيساً»، بينما ذهب آخر لاستكشاف «نهر الشك» الغامض في البرازيل في رحلة محفوفة بالمخاطر.
أما نجل آدامز الذي ألغى عقوبة الإعدام جون كوينسي آدامز، فإنه يعتبر الرئيس السابق الوحيد الذي خدم في مجلس النواب الأمريكي. وتم انتخابه لتمثيل ولاية ماساتشوستس في عام 1830، وهو العام التالي لتركه الرئاسة، وظل في المجلس لمدة 17 عاماً تقريباً.
وفي عام 1841، نجح في الدفاع أمام المحكمة العليا من أجل تحرير الأفارقة المستعبدين الذين تم أسرهم بعد الاستيلاء العنيف على سفينة العبيد الإسبانية أميستاد. وكان يحظى بالتبجيل في الكونغرس باعتباره «أبو المجلس».
وفي فبراير/شباط عام 1848، صوت آدامز بـ «لا» على إجراء يتعلق بالحرب المكسيكية الأمريكية، ونهض وحاول التحدث خلال الجلسة «لكنه لم يصدر سوى صوت غير واضح» ثم انهار، حسبما ذكرت صحيفة واشنطن بوست، وفقاً لمجلس النواب.
وتم نقله على أريكة كبيرة إلى مكتب رئيس مجلس النواب وتوفي بعد يومين، عن عمر ناهز 80 عاماً. وذكرت صحيفة نيويورك إيفيننج بوست أن «رفاته وُضعت في غرفة لجنة مجلس النواب المعنية بمكاتب البريد، حيث التدفق المستمر للزوار.
كان الرئيس السابق الوحيد الذي أصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأمريكي هو أندرو جونسون، الذي تم تعيينه من قبل المجلس التشريعي لولاية تينيسي في عام 1875. وكان جونسون، نائب الرئيس الذي خلف الرئيس الذي تم اغتياله أبراهام لنكولن، أول رئيس يتم عزله. وبصفته عضواً في مجلس الشيوخ، تعهد بالانتقام من أعدائه السياسيين، لكنه توفي بعد أربعة أشهر فقط من توليه منصبه.
وفي عام 1921، أصبح هوارد تافت الشخص الوحيد الذي شغل منصبي الرئيس ورئيس المحكمة العليا عندما عينه الرئيس وارن جي هاردينج لهذا المنصب. وكرّس تافت، الذي تولى منصب الرئيس من عام 1909 إلى عام 1913، نفسه كرئيس للمحكمة العليا لأكثر من ضعف هذه المدة، حيث خدم قبل شهر من وفاته في عام 1930 عن عمر ناهز 72 عاماً، لدرجة أنه قال ذات يوم: «لا أتذكر أنني كنت رئيساً على الإطلاق».
وعن الرئيس جون تايلر، فقد سعى إلى البقاء في الحكومة أيضاً، من خلال الانضمام إلى الحكومة الكونفدرالية خلال الحرب الأهلية، وكان ينتظر بدء الجلسة في مجلس النواب الكونفدرالي عندما توفي في أحد فنادق ريتشموند في 18 يناير 1862. وتايلر، الذي ولد عام 1790، لا يزال لديه حفيد على قيد الحياة.
العديد من الرؤساء السابقين تفرغوا لسرد مذكراتهم السياسية، بدءاً من جون آدامز، وكان أحد أنجح هؤلاء يوليسيس غرانت، الذي ترك منصبه في عام 1877. وفي عام 1885، وقع الجنرال السابق، المحتضر بسبب السرطان، عقداً لنشر مذكراته من قبل دار نشر جديدة، أنشأها صديقه مارك توين العام السابق لنشر روايته «مغامرات هاكلبري فين».
وكتبت المؤرخة لينا مان للجمعية التاريخية للبيت الأبيض: «بدأ غرانت الكتابة عندما دمر السرطان جسده. وكتب مان أنه عندما زار توين الرئيس السابق في يونيو/حزيران من ذلك العام، كان بالكاد يستطيع التحدث، وتواصل الرجلان من خلال قصاصات من الورق أثناء قيامهما بمراجعة الصفحات معاً».
وأنهى غرانت الكتاب قبل وقت قصير من وفاته، في 23 يوليو 1885. وحققت «المذكرات الشخصية لغرانت» المؤلفة من مجلدين عائدات قدرها 450 ألف دولار، أو ما يقرب من 15 مليون دولار بقيمة اليوم، وعادت تلك الأموال لأرملته جوليا.
أما الرئيس كالفن كوليدج، فقد كتب سيرته الذاتية بعد ترك منصبه في عام 1929. كما كتب لفترة وجيزة عموداً في إحدى الصحف بعنوان «التفكير في الأمور مع كالفين كوليدج». في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1930، كتب: «الواجب الأساسي للمواطن هو قبول نتيجة الانتخابات بسرور، ودعم القوانين والدستور كما هي في ذلك الوقت، والتعاون بإخلاص مع الحكومة».
ـ الأكثر مبيعاً ـ
وبالنسبة لكتب الرؤساء السابقين كارتر وبيل كلينتون وباراك أوباما، فقد وصلت إلى المرتبة الأولى في المبيعات. أما بعض الكتب الرئاسية الأخرى كانت مكتوبة عن طريق كتاب آخرين في الظل، وعلى سبيل المثال بعد نشر السيرة الذاتية للرئيس السابق رونالد ريغان بعنوان «حياة أمريكية» في عام 1990، فقد قال مازحاً: «في أحد هذه الأيام سأقرأها بنفسي».
حاول عدد قليل من الرؤساء السابقين استعادة البيت الأبيض، بما في ذلك مارتن فان بورين، وتيودور روزفلت، والآن دونالد ترامب، وهو أيضاً الرئيس السابق الوحيد الذي أدين بارتكاب جرائم. ولم ينجح سوى ترامب وجروفر كليفلاند، اللذين فازا بولاية ثانية غير متتالية في عام 1892.
وكان روزفلت يبلغ من العمر 50 عاماً فقط عندما ترك منصبه في عام 1909، وكان يتمتع بقدر كبير من النشاط لمزيد من المغامرات. وفي عام 1913، قام هو وابنه كيرميت، مع آخرين، باستكشاف نهر الشك، وهو رافد مجهول لنهر الأمازون في غابات البرازيل. ثم كتب روزفلت في كتاب بعنوان «عبر البرية البرازيلية» لمدة 48 يوماً: «لم نر أي بشر خارج مجموعة الاستكشاف»، ولاحقاً أعيد تسمية النهر باسم «نهر روزفلت».
وخلال الرحلة قُتل رجل ومات اثنان آخران، كما أصيب روزفلت بالملاريا ثم الهذيان بسبب ارتفاع درجة الحرارة وعانى عدوى خطِرة بعد إجراء عملية جراحية على ضفة النهر لساقه المصابة.
وأفاد أحد الأطباء الذين كانوا في الرحلة أن روزفلت كان يعاني أيضاً من قرح «تسببها عدوى برازيلية محلية تزحف عميقاً تحت الجلد وتموت». عندما ظهر في إبريل 1914، كتب رسالة إلى المسؤولين البرازيليين أبلغ فيها عن رحلة صعبة وخطِرة إلى حد ما، لكنها ناجحة للغاية. ثم توفي بعد خمس سنوات.
ـ ترميم الصورة ـ
قضى هربرت هوفر قسماً كبيراً من عقوده الثلاثة بعد أن ترك منصبه في عام 1933، وهو يحاول إعادة تأهيل صورته بصفته رئيساً في فترة الكساد الأعظم. قاد جهود الإغاثة الغذائية في زمن الحرب وما بعد الحرب في أوروبا، وترأس لجنتين لإعادة تنظيم الحكومة، وشجع البرامج الخيرية. كما ألف العديد من الكتب، منها «الصيد من أجل المتعة«و»اغسل روحك». وعندما توفي في عام 1964، عن عمر ناهز 90 عاماً، تمت الإشادة به على نطاق واسع باعتباره رجل دولة كبير.
ـ كارتر الأكثر زخماً ـ
غادر كارتر البيت الأبيض تحت سحابة، مع ارتفاع التضخم وأزمة احتجاز الرهائن الأمريكيين في إيران، في انتظار توفير أماكن الإقامة الأمريكية المجانية حتى يوم تنصيب ريغان. وفي عام 1982، دشن وزوجته روزالين مركز كارتر في أتلانتا. ومنذ ذلك الحين، عمل على تعزيز حقوق الإنسان والوقاية من الأمراض والديمقراطية في جميع أنحاء العالم.
كما ساعد منظمات من أجل بناء منازل للمحتاجين. وقد كتب أكثر من عشرين كتاباً. وفي عام 2002، حصل على جائزة نوبل للسلام «لعقود من الجهود الدؤوبة لإيجاد حلول سلمية للصراعات الدولية، ولتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية».
وعلى الرغم من أن الرئاسة «كانت بوضوح قمة النجاح السياسي»، فقد قال كارتر في مؤتمر صحفي عام 2015: «إلا أن حياتي منذ أن وصلت إلى البيت الأبيض كانت أكثر إرضاء على المستوى الشخصي»، ويبقى الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن البالغ 82 عاماً، أحد أكبر الرؤساء سناً، وسوف يغادر منصبه بعد حوالي 50 عاماً من العمل السياسي، وربما قد يلجأ لسطر مذكراته التي عايش فيها العديد من الأحداث الكبرى والمفصلية في التاريخ الحديث.