
لا يتعاطف سوى القليل من الأشخاص مع الموارد البشرية، مع أنه في ظل الظروف الصعبة بمختلف أماكن العمل، هناك حاجة إلى مديري الموارد البشرية أكثر من أي وقت مضى.
وحسب ما يشير ألكسندر كيرس، كبير مديري ممارسات الموارد البشرية في شركة جارتنر الاستشارية، «فقد أصبح الأمر أصعب من أي وقت مضى بالنسبة لمحترفي الموارد البشرية»، مشدداً على «ارتفاع مستويات التوتر والإرهاق».
ويشير إلى أن الأسباب وراء ذلك عديدة. فالاضطرابات الاقتصادية تجلب تباطؤاً في التوظيف بل وعمليات تسريح للعاملين. ومبادرات التنوع، التي كان على الموارد البشرية تنفيذها بحماس حتى وقت قريب، يتم التخلي عنها فجأة أو إعادة صياغتها.
كما يقع على عاتق الموارد البشرية تطبيق تفويضات العودة إلى المكتب، والتعامل مع الموظفين الساخطين الذين يعيدون تقييم القرارات الكبرى.
ولا يتعاطف كثيرون مع شكاوى الموارد البشرية، فهي مهنة شائكة. وقد أخبرني أحد مديري الموارد البشرية أن بعض العاملين في إدارة الموارد البشرية هم أسوأ أعداء لأنفسهم، ولا يفهمون العمل، ويتحدثون لغة مختلفة.
والواقع أن هذه الوظيفة محاصرة بين رؤساء يرون هؤلاء الموظفين مجرد بيروقراطيين، أكثر اهتماماً بملء الاستمارات من الابتكار أو تعزيز الإنتاجية، وموظفين متشككين يعتقدون أنهم مطالبون دائماً بالوقوف إلى جانب الإدارة.
وقال أحد محللي الموارد البشرية مازحاً: «إنهم ليسوا مندوبي نقابتك». ويقول كيرس إن الموارد البشرية ينظر إليهم في كثير من الأحيان أنهم «كيس الملاكمة».
بل يصف كتاب جديد السير كير ستارمر، رئيس الوزراء البريطاني، بأنه «مثل مدير الموارد البشرية، وليس قائداً»، لكنه يتجاهل حقيقة مفادها أن العديد من المتخصصين في الموارد البشرية ارتقوا إلى مناصب رؤساء تنفيذيين، ومن ذلك لينا ناير بشركة شانيل، وآنا مولكاهي رئيسة زيروكس، ورويسين كوري في شركة «جريجز.»
إن إدارة الموارد البشرية إذا قامت بإنجاز العمل بشكل جيد، فإن دورها كوسيط مهم بدرجة كبيرة حتى وإن ظل غير مرئي في كثير من الأحيان. لكن إذا تمت الأمور بشكل سيئ.
فقد يؤدي ذلك إلى مشاكل قد تكون كبيرة، مثلما حدث عندما أطلقت سوزان فاولر صفارة الإنذار بشأن أوبر في عام 2017، فلفتت بذلك الانتباه إلى إخفاقات الموارد البشرية وتواطئها مع كبار القيادات، مما أدى في نهاية المطاف إلى رحيل رئيس أوبر التنفيذي، ترافيس كالانيك. وفي كثير من الحالات، يقع الخطأ في أعلى السلسلة.
ويقول بيتر كابيلي، أستاذ الإدارة في كلية وارتون: «يريد الرؤساء التنفيذيون تسريح العمال لأن المستثمرين يريدون ذلك. كانت الالتزامات التي تم التعهد بها بعد حملتي أنا أيضاً وحياة السود مهمة بمثابة حالة من تحول قادة الشركات إلى مديري الموارد البشرية قائلين، أنجزوا الأمر. إنهم يقومون بتنظيف الفوضى التي خلفها الرئيس التنفيذي».
إن الضغوط قد تكون أيضاً استجابة لمطالب الموظفين. ففي العام الماضي، قال دوغلاس لامونت، رئيس شركة توني تشوكولونيلي، إنه خلال عمليات الإغلاق، أصبح العمال أكثر ميلاً إلى رؤية أصحاب عملهم بمنطق «عائلتي.. مجتمعي».
وقد دفع هذا أقسام الموارد البشرية إلى الخوض بشكل أعمق في جميع أنواع الرفاهية، بما في ذلك المالية، وهي مشكلة من الأفضل التعامل معها من قبل المديرين الآخرين المسؤولين عن تحديد مستوى الأجور.
وعندما تفرض الأوقات غير العادية ضغوطاً غير عادية على موظفي المؤسسة، فإنه يُطلب من الموارد البشرية إدارة التداعيات الناتجة، وغالباً ما يحدث ذلك من دون توجيه أي شكر لهم.
وهكذا، يبدو أن الإفراط الحالي في فرض الأعباء - أو توسيع نطاق المسؤوليات، اعتماداً على وجهة نظرك - هو إرث من فترة الجائحة.
لقد كان على أصحاب العمل الذين تحولوا إلى العمل من المنزل التعامل مع احتياجات الموظفين: التأكد من حصولهم على التكنولوجيا المناسبة، ومساعدتهم على البقاء آمنين، ووضع تفويضات اللقاح وقواعد القرب.
وبذلك، أصبحت الخطوط الشخصية والمهنية غير واضحة، مع محاولة العديد من العاملين في قسم الموارد البشرية الحفاظ على مستويات إنتاجية الموظفين. وقد أخبرني أحد كبار مسؤولي الموارد البشرية أن نطاق عملهم قد توسع ليشمل: «كيف يمكننا أن نجعل الموظفين سعداء، عموماً؟».
وقد أدى دخول مجال الرفاهية إلى الكشف عن بعض نقاط الضعف في الموارد البشرية. يقول ويليام فليمنج، زميل الأبحاث في مركز أبحاث الرفاه بجامعة أكسفورد: «تدفع العديد من فرق الموارد البشرية مقابل خدمات من مجموعة متنوعة من البائعين الذين لا يجلبون تأثيرات إيجابية».
في العام الماضي، تبين أن البرامج والتطبيقات لتخفيف التوتر وتعزيز اليقظة والتركيز لم تحدث أي فارق. ويشير إلى أن المشكلة أن العديد من أقسام الموارد البشرية عالقة بين ضعف التأثير وكثرته.
وقد تصبح هذه مشكلة أكبر في السنوات القادمة، مع بدء لعب الذكاء الاصطناعي دوراً أكبر في مكان العمل، وتولى المزيد من المهام التي يقوم بها البشر.
ويقول فليمنج: «نحن نوصي بالتغيير التنظيمي وتحسين جودة العمل. ونسأل: كم عدد مديري الموارد البشرية الذين يقررون عدد ساعات عمل الأشخاص، ومدى الاستقلالية التي يتمتع بها الأشخاص في فرقهم، وعدد الموظفين المكلفين بالمهام، وكيفية تقديم التكنولوجيا؟
هذه هي أنواع الأشياء التي تدفع حقاً إلى الإحساس بالسعادة في العمل. ومع ذلك، يمكن أن يقع ذلك كله خارج نطاق اختصاص الموارد البشرية وبدلاً من ذلك يسند الأمر إلى قرارات تنفيذية أو تقدير المديرين التنفيذيين».
لكن كما يلفت أحد الخبراء في مجال الموارد البشرية فإن الوضع الوسيط للموارد البشرية يعني أنها ستكون دائماً عرضة لانتقادات غير مبررة تماماً من كبار المسؤولين وكذا من عموم الموظفين.
هذا هو الوقت الذي يتعين فيه على الموارد البشرية للتفكير في دورها. ربما يتم كبح جماح بعض طموحاتها ولكن تبقى هذه فرصة للتركيز، كما يحب المديرون أن يقولوا، على القيام بأشياء أقل لكن بشكل أفضل.