موظفو الجيل «زد» يتمردون على المناصب الإدارية المتوسطة

{title}
همزة وصل   -
من المعتاد أن يشهد السلم الوظيفي في عالم الشركات الترقي عبر مراحل متعددة، حيث يبدأ الموظف بإدارة فرق صغيرة من المبتدئين، ثم تولي قيادة أقسام محددة، قبل الوصول إلى المناصب المرموقة، لكن من الملاحظ مؤخراً أن المناصب الإدارية الوسطى بدأت تفقد جاذبيتها، خاصة لدى جيل شباب الموظفين، الذين يرونها بمثابة كدح غير مثمر.
وفي استطلاع أجرته شركة التوظيف «روبرت والترز» العام الماضي، وشمل 2000 من أصحاب الياقات البيضاء، كان 800 منهم من موظفي الجيل «زد» (الذين كانت أعمارهم 27 عاماً أو أقل) لم يرغب نصفهم في المواقع الإدارية المتوسطة على الإطلاق. ورفض نحو 70 % منهم هذه الوظائف باعتبارها «مجهدة للغاية، وعائدها قليل».
وبينما يميل المديرون التنفيذيون الأكبر سناً إلى وصف الموظفين الشباب بالكسل أو أنهم مفرطون في مطالبهم فإن وجهة نظر جيل «زد» تبدو منطقية، فمناصب الإدارة الوسطى غالباً ما تتطلب ساعات عمل طويلة، والتعامل المستمر والإدارة المملة للأفراد، وهي الخصائص المعتادة لهذه الأدوار.
ويظهر الموظفون الشباب استعداداً للعمل الجاد مقابل رواتب أعلى ومسؤوليات أكبر وتقدم في المسار المهني، لذلك يفضلون تجنب المسار التقليدي، ويؤكد ذلك أن ثلثي المشاركين في الاستطلاع قالوا إنهم يفضلون التطور المهني الفردي على إدارة الآخرين.
وفي حين ربطت الأجيال السابقة النجاح بالكفاح المستمر للصعود في السلم الوظيفي للشركات تقول لوسي بيست، المديرة بشركة «روبرت والترز»: «شباب الموظفين ليسوا مستعدين للتضحية من أجل المؤسسة كما كان يحدث في السابق».
وهو ما يعكس تحولاً كبيراً في ثقافة العمل، حيث يقوم جيل الشباب بإعادة صياغة قواعد العمل، وتعريف معنى الطموح المهني بشكل مختلف عن الأجيال السابقة.
ولم يقتصر جيل زد على العزوف عن الإدارة المتوسطة، إذ دفعت الجائحة مختلف الفئات لإعادة تقييم جدوى أساليب العمل التقليدية، ويعكس هذا الجيل تحولاً أوسع في ثقافة العمل، لكنه الجيل الأكثر جرأة في التعبير عن ما يفضله.
وتوضح بيست هذا التوجه قائلة: «إنهم يبحثون عن توازن بين العمل والحياة الشخصية، ويتساءلون عن مدى سعادتهم في حياتهم اليومية، وعما إذا كانوا يتمتعون بحرية العمل بالطريقة، التي يفضلونها، والأهم من ذلك:
هل يحققون غايتهم وأهدافهم في الحياة؟» وأسهمت الهياكل التنظيمية الأفقية، وازدهار العمل الحر، والتطور التكنولوجي في جعل المسارات المهنية البديلة أكثر جاذبية. نتيجة لذلك يفضّل الشباب تطوير خبراتهم والتحكم في جداول أعمالهم بدلاً من السعي للمناصب الإدارية.
وقد تدفع الظروف الاقتصادية الصعبة العديد من الموظفين الشباب إلى التكيف مع النهج التقليدي، تماماً كما فعلت الأجيال السابقة. ويوضح مارتن ريفز، رئيس مركز الأبحاث «بي سي جي هندرسون انستيتيوت» هذا الأمر قائلاً: «المرونة لا تعني ضمان الراحة في جميع الأوقات».
إن كثيراً من الموظفين الشباب قد شهدوا بأنفسهم الآثار السلبية للولاء الأعمى للمؤسسات، فقد راقبوا تجارب آبائهم، الذين عانوا الإرهاق المهني، أو تعرضوا للتسريح من وظائفهم، أو كافحوا للبقاء خلال فترات التراجع الاقتصادي. ولم تعد الوعود بالمعاشات السخية والأمن الوظيفي قائمة.
كما كانت في السابق، كما تراجعت مستويات الثقة بالقيادات المؤسسية، ولم يعد الشباب يعتقدون أن مجرد الترقي في المناصب سيوفر لهم الحماية الوظيفية.
وتواجه الإدارة الوسطى مشكلة إضافية تتعلق بصورتها، وفقاً لأرفيندر ديسي، المسؤول بشركة التوظيف «كورن فيري»، حيث لم يعد ينظر إلى المديرين باعتبارهم قادة يطورون المواهب، بل ينظر إليهم كمجرد منفذين للبيروقراطية، غارقين في الأعمال الورقية وتقييمات الأداء، ما يجعل كثيرين يحجمون عن التقدم لهذه المناصب.
ولفت ديسي إلى أنه رغم أن الذكاء الاصطناعي بدأ تولي مسؤولية القيام ببعض مهام الإدارة الوسطى، إلا أن المرشحين الشباب يفتقرون إلى الثقة اللازمة لإعادة تعريف هذه الأدوار، والنتيجة هي أن الشركات تترك كميات هائلة من الإمكانات غير المستغلة دون توظيفها بشكل فعال.
وإذا استمر عزوف الشباب عن المناصب الإدارية فستحتاج الشركات لإعادة النظر في إعداد قادتها المستقبليين، ويرى أرفيندر ديسي أنه على قادة الأعمال توسيع رؤيتهم للمدير، والتخلي عن القالب النمطي للقادة الجدد، والاستفادة من جرأة الشباب ومنظورهم الجديد بدلاً من اعتبارهم متمردين.
كما يحتاج موظفو الجيل «زد» إلى نماذج قيادية أفضل يحتذون بها، وتقول آن فرانك، الرئيسة التنفيذية لـ«معهد الإدارة المعتمد»، إن أغلبية المديرين اليوم هم قادة «بالصدفة»، أي أنهم وصلوا إلى مناصبهم دون إعداد مناسب، وهم يفتقرون إلى المهارات اللازمة،لتوجيه فرقهم أو إلهامهم أو إشراكهم في العمل بفاعلية، لذا ليس مستغرباً أن يلجأ بعض موظفي الجيل زد إلى ما يعرف بـ«الاستقالة الصامتة».
ولتحفيز الشباب لتولي الأدوار القيادية يجب على الشركات تطوير مديريها، عبر التدريب على التوجيه الفعال، وتحديد أهداف واضحة، ووضع معايير واقعية، وتقديم ملاحظات مباشرة، وتضيف آن فرانك قائلة: «قد يولد الانخراط في العمل طموحاً لدى الشباب لتولي الإدارة».
وإذا أخفقت الشركات في التكيف مع هذه المتغيرات فلن تقتصر المشكلة على نقص الكفاءات في الإدارة المتوسطة فحسب، بل ستمتد إلى ضعف القيادة على مستوى المؤسسة بأكملها.
© جميع الحقوق محفوظة لهمزة وصل 2024
تصميم و تطوير