عبث صريح بالقانون الدولي

{title}
مفتاح شعيب
همزة وصل   -
تعيد المواجهة المفتوحة بين إيران وإسرائيل إلى الأذهان التحذيرات المديدة عبر سنوات من تفجر صراع كهذا في منطقة مثخنة بالأزمات، وها هي، مرة أخرى، تقف أمام مصير غير معلوم العواقب، ومرحلة مفتوحة على كل الاحتمالات، في ظل عبث صريح بالقانون الدولي ونحر متعمد لمبادئه ونواميسه، وهذا أخطر ما يمكن تخيله أو استيعابه.
السياسة الدولية، وخاصة تلك التي تعتمدها الدول الكبرى، لم تعد قائمة على رصانة تراعي أبسط المعايير الإنسانية والأخلاقية، وإنما باتت أقرب إلى التهريج والسفسطة، يمارسها متنمرون وقصيرو نظر يفتقدون إلى الحد الأدنى من المسؤولية تجاه المناصب التي يتولونها ومستقبل البشرية جمعاء، التي تتطلع دوماً إلى السلام والاستقرار والتنافس الإيجابي مع مراعاة الحقوق المتساوية لكل الأطراف.
وما يثير الخيبة والإحباط، أن الصراع، الذي بدأ بعدوان إسرائيلي سافر على إيران، لم يشهد تحركاً حقيقياً يوقف هذا التدهور ويحفظ استقرار شعوب هذه المنطقة، التي كانت مهد الديانات السماوية ورسائل الخير والسلام، وأزهرت من أرضها الحضارات وولد التاريخ، وقدمت للإنسانية إنجازات لا تحصى من نماذج الفكر والفلسفة والإبداع بشتى فنونه. وفي العصر الحديث، أصبحت سرّة العالم التي تغذيه بالطاقة وبما تمتلكه من ثروات ومعادن، حتى أصبحت أكثر المناطق حيوية وضرورة لعصب الاقتصاد العالمي وسياساته المستقبلية.
بعض الصورة لا يفهمها كثيرون، خصوصاً في المعسكر الغربي، المتعامي دائماً عن مصالح الآخرين، خصوصاً في هذه المنطقة التي يعاملها بمكاييل متعددة، عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، التي تمادت وتجاوزت، ليس في إيران فحسب، وإنما طوال تاريخها القصير، وما تفعله يومياً في قطاع غزة لا يمكن التغافل عنه أو نسيانه، وهي تصّر على ذلك، وكأنها تريد أن تضرب نموذجاً تتسلح به لتهديد استقرار المنطقة وسيادة شعوبها. وهذه الحقيقة لا يريد كثيرون رؤيتها أو الإقرار بها، وكأن ما يجري من انتهاكات للقانون الدولي واستباحة لكرامة الشعوب يحدث في كوكب أخر، أو هو سيناريو في قصة خيالية.
مثل هذه المواجهات بين إيران وإسرائيل لا يمكن التهوين من خطورتها أو التغاضي عنها، فيمكن أن تقود إلى صراع إقليمي واسع لا أحد يقدر مداه. ومع ذلك يمكن أن تتوقف في أي لحظة إذا توفرت الإرادة الفعلية وتغلبت لغة المصلحة المشتركة على النوازع العنصرية والفاشية الجديدة التي بدأت تترسخ في أكثر من نقطة توتر على الخريطة العالمية. وهذه المواجهة لن تكون منفصلة عن سواها، وهي حلقة من سلسلة من الأزمات المتفجرة من شرق الأرض إلى غربها، وستقود حتماً إلى الانفجار الكبير الذي يتشكل من تضارب المصالح المتنافرة بين الدول الكبرى، التي يفترض أنها راعية الإستقرار العالمي، لكنها لا تبدو أهلاً لذلك ولا تستحق أن تكون كبيرة. وهذا التدحرج الحضاري، غير المسبوق، مزعج ومؤلم، وسيعيد العلاقات الدولية عقوداً أو قروناً إلى الوراء، لتسود مجدداً شريعة الغاب، كما كانت أول مرة، بل إن فجر التاريخ كان أكثر تحضراً وحكمة وأورث أمجاداً تبعث الاعتزاز لدى الأجيال اللاحقة.
© جميع الحقوق محفوظة لهمزة وصل 2024
تصميم و تطوير