
حين تتقاطع الموهبة بالعلم، ويتجلى الشغف فوق خشبة المسرح ووراء الميكروفون، لا بد أن نتحدث عن الفنانة الأردنية الدكتورة ريم سعادة، التي سيتم تكريمها هذا العام ضمن فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان المونودراما، تحت مظلة مهرجان جرش للثقافة والفنون.
ويتم تكريم الفنانة سعادة السبت 26 على هامش حفل افتتاح مهرجان المونودراما المسرحي الذي ينطلق بعرض "المحطة الأخيرة"، للفنانة ومديرة مهرجان المونودراما، عبير عيسى. تأليف وإخراج، حكيم حرب، على مسرح مركز الحسين الثقافي في رأس العين.
اختيار لم يأتِ من فراغ، بل تتويج لمسيرة فنية وإنسانية بدأت منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي، وما زالت مستمرة حتى اليوم، بين التمثيل والمسرح، الصوت والصورة، التعليم والعلاج.
من بيت يُحب الفن إلى خشبة المسرح:
نشأت ريم سعادة في بيئة تؤمن بالفن كقيمة ووسيلة تعبير. داخل منزلها، ورفقة أبناء العمومة، كانت تمارس التمثيل والغناء منذ الطفولة. وفي المدرسة، برزت ميولها الفنية عبر الأنشطة المختلفة، ولا سيما المسرح المدرسي والكشافة.
ورغم أن حلمها الأول كان أن تصبح مذيعة باللغة الإنجليزية، إلا أن التمثيل سرقها شيئًا فشيئًا، لتجد فيه مساحتها الأصدق للتعبير عن ذاتها.
رحلة أكاديمية تُكمل الموهبة
درست سعادة علم النفس، وحصلت على درجة الماجستير ثم الدكتوراه، ما أضاف بعدًا إنسانيًا ومعرفيًا لتجربتها الفنية. فالعلاقة بين النفس البشرية والفن كانت دومًا حاضرة في وعيها، وساعدتها لاحقًا في بناء الشخصيات الدرامية على المسرح والشاشة.
البدايات المسرحية... من الجامعة إلى المحافظات
البداية العملية كانت من المسرح الجامعي، حيث انطلقت نحو جمهور حقيقي، وتلقت علمًا مباشرًا من أساتذة ومخرجين أردنيون وعرب، تركوا بصمتهم على مسيرتها. شاركت في عروض داخل الجامعة وخارجها، وقدّمت مسرحيات في أماكن غير تقليدية مثل بيوت الشعر والشاطىء وقاعات المدارس وصالات السينما، في عمان ومختلف محافظات المملكة.
رغم عدم وجود وزارة للثقافة آنذاك، وقيام مديرية الثقافة والفنون مكانها، كان الحراك الثقافي ينبض بالحيوية، مدفوعًا بشغف الشباب ورغبتهم في تقديم فن حقيقي، حتى وإن غابت الإمكانات.
من المسرح إلى الدراما
قدّمت سعادة أكثر من 80 عملًا دراميًا، واشتهرت بأدوار المرأة الطيبة، ما منحها لقب "أمينة رزق الأردن". لكنها خرجت من هذه الصورة النمطية عندما منحها المخرج موفق الصلاح دورًا مختلفًا جذريًا، لتقدّم شخصية قوية ومتسلطة، وتفتح لنفسها مسارًا جديدًا في التمثيل.
عالم الصوت والدوبلاج
خلف الميكروفون، أبدعت سعادة في عالم الدوبلاج، إذ منحت صوتها لعشرات الشخصيات الكرتونية. برأيها، الدوبلاج ليس مجرد أداء صوتي، بل بناء لشخصية حية عبر النبرة والإيقاع والتفاصيل الدقيقة. كما تفتخر بأن التجربة الأردنية في الدوبلاج كانت رائدة، وأن الاستوديوهات الأردنية استقبلت فنانين من العالم العربي لتعلم هذه الحرفة.
رؤيتها للمسرح الأردني اليوم:
ترى ريم سعادة أن المسرح ما يزال يحمل الأمل، خاصة مع توجه الشباب نحوه بعد تراجع الإنتاج الدرامي. لكنها تنتقد اقتصار العروض المسرحية على المهرجانات، ما يقلل من فرصة تواصل المسرح مع الجمهور العام. وتدعو إلى إعادة فكرة المسرح اليومي، الذي يطرح قضايا الناس وهمومهم بشكل مباشر.
مسيرة غنية بالإنجازات:
شاركت ريم سعادة في العديد من المسلسلات منها: "نمر بن عدوان"، "تل السنديان"، "الجاروشة"، و"دفاتر الطوفان". كما كان لها حضورا بارزا في المسرحيات: "حفلة على غفلة"، و"قربة مخزوقة".
مشاركاتها الدولية شملت مهرجانات في سوريا والعراق ومصر، كما شاركت بمؤتمرات متخصصة بالفن والسيكودراما.
مؤلفات وبحوث علمية:
قدّمت رسالة ماجستير عن استخدام الدراما العلاجية مع الأطفال، وأطروحة دكتوراه عن السيكودراما مع الأحداث الجانحين، وشاركت في ندوات حول واقع الدراما الأردنية وتمكين المرأة فنيًا.
تكريم مستحق
تكريم ريم سعادة، ليس فقط لفنانة مجتهدة، بل لمثقفة، معلمة، ومبدعة أسهمت في تشكيل الوعي الفني في الأردن، وفتحت الطريق لأجيال جديدة من الممثلين والممثلات. رحلة ملهمة، تؤكد أن الفن الحقيقي لا يُقاس بعدد الأدوار فقط، بل بعمق الرسالة وأثر الحضور.