حكاية أقصر يوم في التاريخ.. هل نحن على أعتاب تغيرات كونية جوهرية؟

{title}
همزة وصل   -
في ظاهرة غامضة تثير الحيرة، يحدث تحول غير معتاد في دوران كوكب الأرض، يُظهر أن أيامنا أصبحت أقصر بمليارات من الثانية، وهو ما يدفع العلماء إلى التسابق لفهم أسبابه وتفسير أبعاده. فبينما يعتقد الكثيرون أن اقتراب فصل الصيف في نصف الكرة الشمالي هو السبب الرئيسي وراء ذلك، فإن الحقيقة أعمق وأكثر تعقيدًا، حيث تشير البيانات إلى أن الأيام تَقصُر بشكل غير متوقع، وهو أمر يثير تساؤلات علمية عميقة.
وفي يوم الثلاثاء، 5  من أغسطس، شهد كوكب الأرض ظاهرة فريدة من نوعها، حيث كان اليوم الشمسي أقل بقليل من 24 ساعة المعتادة، وفقًا لموقع Timeanddate.com، وهو ما يجعل هذا اليوم من بين الأقصر على الإطلاق في عام 2025، بل ومنذ بداية سجل الأرقام القياسية لسرعة دوران الأرض.
بفارق زمني يبلغ حوالي 1.25 ملي ثانية أقل من الـ86,400 ثانية المعروفة، فإن هذا التغير لا يثير ملاحظة فورية، لكنه يحمل في طياته دلائل على اتجاه غامض يُحيّر العلماء والمتخصصين، وهو أن الأرض تزداد سرعة في دورانها، بعد عقود من التباطؤ، وما زال سبب ذلك غير واضح تمامًا.
لفهم هذه الظاهرة، من المفيد أن نعيد تعريف مفهوم اليوم ذاته.
فاليوم الحقيقي، وهو اليوم النجمي، يُعبر عنه بأنه الفترة الزمنية التي تستغرقها الأرض لإتمام دورة كاملة بمقدار 360 درجة بالنسبة للنجوم الثابتة في السماء، ويبلغ مدتها حوالي 23 ساعة، 56 دقيقة، و4.1 ثوانٍ، وفقًا لموقع EarthSky. هذا هو اليوم النجمي، الذي يفسر ظهور النجوم والكواكب في الأفق الشرقي قبل وقت معين من شروق الشمس، ويشرح أيضًا تغير مشهد السماء عبر الفصول، إذ أن الأرض، أثناء دورانها حول محورها، تسير أيضًا في مسارها المداري حول الشمس.
أما اليوم المعروف لدينا، وهو اليوم المكون من 24 ساعة، فهو اليوم الشمسي، الذي يُقاس استنادًا إلى الشمس وليس النجوم، ويُحسب من الظهر إلى الظهر، ليكون مدة ثابتة تبلغ 86,400 ثانية. وما يدعو إلى الدهشة هو أن هذا المقياس يُظهر أنه أصبح أقصر من المتوقع، بشكل غامض، وهو ما يثير أسئلة علمية عميقة.
وفي عام 2025، توقّع العلماء حدوث ثلاثة تواريخ محددة يكون فيها اليوم الشمسي للأرض أقصر من 24 ساعة: 9 يوليو، حين يكون أقل بـ1.23 ملي ثانية، و22 يوليو، حين يكون أقل بـ1.36 ملي ثانية، و5 أغسطس.
ومع ذلك، فإن أقصر يوم على الإطلاق سُجل في 5 يوليو 2024، حين كان أقل بـ1.66 ملي ثانية عن الـ24 ساعة.
ومنذ بداية تسجيل الأرقام الرسمية في عام 1973، شهد اليوم الشمسي للأرض بشكل تدريجي زيادة في مدته، ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى تأثيرات القمر، الذي يسبب بفضل دورانه حول الأرض احتكاكًا يَدفع مساره المداري إلى الابتعاد عن الكوكب بشكل تدريجي. ونتيجة لذلك، يتم نقل طاقة دوران الأرض إلى القمر، مما يؤدي إلى تباطؤ دوران الأرض، وبالتالي إطالة أيامها.
ويُعزى تحديد الأيام التي ستشهد فيها الأرض دورانًا أسرع إلى موقع القمر، حيث تتغير علاقته بالنسبة لمستوى خط الاستواء، وخصوصًا انحرافه، وهو ما يؤثر بشكل دقيق على قوى المد والجزر التي تؤثر بدورها على معدل دوران الأرض. وإذا كانت هذه التغيرات قصيرة المدى ناتجة عن تأثيرات القمر، فإن الأسباب الأساسية لزيادة سرعة دوران الأرض في السنوات الأخيرة تبقى غامضة.
وعلى الرغم من أن بعض النظريات تشير إلى أن ظاهرة الاحتباس الحراري قد يكون لها دور، إلا أن السبب الأكثر ترجيحًا هو تباطؤ حركة لب الأرض السائل، مما يجعل باقي الكوكب يدور بسرعة أكبر.
وفي يوم 5 أغسطس، لن يشعر الإنسان بأي تغيرات ملحوظة، لكن إذا استمرت هذه الظاهرة حتى عام 2029، فمن الممكن أن يُضاف إلى جدول الزمن ما يُسمى بالثانية الكبيسة السلبية، وهو حدث فريد من نوعه، للمرة الأولى على الإطلاق.
ومن جانب اخر يشير العلماء إلى أن تسارع دوران الأرض يزيد من قوة الطرد المركزي، ما يؤدي إلى دفع مياه المحيطات من القطبين نحو خط الاستواء.
وقد يؤدي ارتفاع طفيف في سرعة دوران الأرض بمقدار ميل واحد فقط في الساعة إلى ارتفاع منسوب المياه بعدة بوصات في المناطق الاستوائية، وهو ما قد يغرق المدن الساحلية المنخفضة التي تواجه أصلاً تهديدات من ارتفاع البحار.
أما في السيناريوهات الأكثر تطرفًا، حيث تزيد سرعة دوران الأرض بمقدار 100 ميل في الساعة، فإن أجزاء واسعة من المناطق الاستوائية قد تُغمر بالكامل، نتيجة اندفاع المياه من القطبين نحو الجنوب.
لا تقتصر التغيرات على الجغرافيا فقط، إذ إن تسارع دوران الأرض قد يؤدي إلى تقليص طول اليوم الشمسي إلى 22 ساعة، ما يعطل الإيقاع البيولوجي للإنسان، أو ما يُعرف بالساعة البيولوجية. وأكدت دراسات سابقة أن تغيرات طفيفة مثل التوقيت الصيفي ترتبط بزيادة معدلات النوبات القلبية، السكتات الدماغية، وحوادث السير، مما يشير إلى أن تغيّرات دائمة قد تكون أكثر خطورة.
كما حذّر الدكتور ستين أودينوالد، عالم الفلك في وكالة ناسا، من أن الطقس سيزداد تطرفًا مع تسارع دوران الأرض، حيث ستزداد قوة تأثير "كوريوليس" المسؤول عن دوران العواصف، ما يؤدي إلى أعاصير أسرع وأكثر تدميرا.
ويتم تتبع هذه التغيرات الدقيقة في دوران الأرض باستخدام الساعات الذرية، التي تعتمد على تذبذب الذرات في غرفة تفريغ لقياس الزمن بدقة بالغة، وتشكّل المرجع العالمي لتوقيت "UTC
© جميع الحقوق محفوظة لهمزة وصل 2024
تصميم و تطوير