بعد 2100 عام.. الذكاء الاصطناعي يكشف سر ترنيمة بابل وأنهارها وجواهرها

{title}
همزة وصل   -
في اكتشاف أثري فريد، تم الكشف عن ترنيمة كانت مُهداة لمدينة بابل القديمة بعد 2100 عام من ضياعها، القصيدة، التي كانت تُنشد للإله مردوخ، الإله الراعي للمدينة العظيمة، تصف بتفاصيل مذهلة أنهار بابل المتدفقة، وبواباتها المرصعة بالجواهر، و"كهنتها المتطهرين".
وأكد تقرير نشرته صحيفة "دايلي ميل" البريطانية أنه على الرغم من أن الأنشودة فُقدت عبر الزمن بعد استيلاء الإسكندر الأكبر على المدينة، إلا أن أجزاءً من الألواح الطينية التي دُوّنت عليها بقيت محفوظة في أطلال مدينة سيبار، على بعد 40 ميلاً إلى الشمال.
ومن خلال عملية كان إنجازها يدوياً ليستغرق "عقوداً"، استخدم باحثون تقنية الذكاء الاصطناعي لتجميع 30 قطعة مختلفة من الألواح الطينية واستعادة الترنيمة المفقودة. وتمكن العلماء حتى الآن من ترجمة ثلث النص الأصلي المكون من 250 سطراً والمكتوب بالخط المسماري.
وتكشف هذه السطور المترجمة عن وصف غني وفريد لجوانب من الحياة البابلية لم يسبق تسجيلها من قبل.
جودة أدبية استثنائية
وقال الباحث الرئيسي في المشروع، البروفيسور إنريكي خيمينيز من جامعة لودفيغ ماكسيميليان (LMU)، لموقع "ديلي ميل" بأن الجودة الأدبية للترنيمة "استثنائية" مضيفاً: "إنها منظمة بدقة، حيث يتدفق كل قسم بسلاسة إلى الذي يليه".
تبدأ الترنيمة بمديح عظيم للإله مردوخ، واصفةً إياه بأنه "مهندس الكون"، ثم تنتقل لوصف مدينة بابل كجنة غنية بالخيرات والوفرة، وجاء في الترنيمة: "مثل البحر، تقدم (بابل) غلتها، ومثل حديقة الفاكهة، تزدهر بسحرها، ومثل موجة، يجلب مدها خيراتها المتدفقة".
كما تقدم الأنشودة أوصافاً لنهر الفرات، الذي لا يزال يجري في العراق الحديث، وسهوله الفيضية التي "ترقد عليها قطعان الماشية في مراعٍ خضراء".
نظرة فريدة
لكن الأهمية الكبرى للاكتشاف، كما يشير البروفيسور خيمينيز، تكمن في أنه يقدم نظرة فريدة على الأخلاق البابلية، ويقول خيمينيز: "تعكس الترنيمة المُثُل التي قدرها البابليون، مثل احترام الأجانب وحماية الضعفاء".
وتمتدح الترنيمة الكهنة الذين لا "يهينون" الأجانب، ويطلقون سراح السجناء، ويقدمون "العون والفضل" للأيتام، وبالمثل، تقدم القصيدة تفاصيل مذهلة عن حياة النساء في بابل، والتي نادراً ما ورد ذكرها في نصوص أخرى.
ويوضح خيمينيز: "على سبيل المثال، تكشف الترنيمة أن مجموعة من الكاهنات كن يعملن كقابلات، وهو دور لم يُوثق في أي مصادر أخرى". وتصف القصيدة هؤلاء الكاهنات بأنهن "نساء معتزلات، بمهارتهن، يغذين الأرحام بالحياة".
أهمية تاريخية
ما يجعل هذا الاكتشاف مثيراً بشكل خاص هو الأهمية التي كانت تحظى بها القصيدة لدى البابليين أنفسهم، وكان البابليون يسجلون معلوماتهم بنظام كتابة يُعرف بالخط المسماري، والذي يتضمن ضغط قصبة حادة على الطين الطري لعمل علامات مثلثة.
وقد أظهرت الحفريات في مدينة سيبار أن الترنيمة كانت تُستخدم كأداة تعليمية في المدارس البابلية لمدة تقارب 1000 عام.
ويعتقد البروفيسور خيمينيز أن القصيدة كُتبت في الأصل في وقت ما بين 1500-1300 قبل الميلاد، مما يجعلها واحدة من أقدم القصائد الطويلة من بابل.
وتُظهر الألواح أنها كانت لا تزال تُنسخ من قبل الأطفال في المدارس حتى الأيام الأخيرة لبابل حوالي عام 100 قبل الميلاد، أي بعد 1400 عام من تأليفها.
ويعتقد الباحثون أن هذه الأهمية تضع "ترنيمة بابل" في مصاف "ملحمة جلجامش"، أقدم قصيدة طويلة معروفة في تاريخ البشرية.
ورغم أن الترنيمة كُتبت بعد ملحمة جلجامش، إلا أن خيمينيز يرى أنهما "تداولتا جنباً إلى جنب لعدة قرون".
وعلى عكس ملحمة جلجامش، يعتقد الباحثون أن "ترنيمة بابل" كتبها مؤلف واحد، ورغم أن اسم المؤلف لا يزال مجهولاً، يبقى البروفيسور خيمينيز متفائلاً، قائلاً: "لقد قمنا برقمنة مجموعة الكتابة المسمارية في المتحف البريطاني خلال السنوات القليلة الماضية واكتشفنا أسماء مؤلفين لم تكن معروفة من قبل، لذلك قد نتمكن من تحديد هوية مؤلف الترنيمة في المستقبل".
© جميع الحقوق محفوظة لهمزة وصل 2024
تصميم و تطوير