
اكتشف معهد وودز هول لعلوم المحيطات حطام الغواصة F-1 على عمق 1300 قدم تحت سطح مياه المحيط الهادئ، بعد أكثر من 100 عام على غرقها خلال مناورة تدريبية في 1917، والتي أودت بحياة 19 بحاراً.
وعثر على حطام الغواصة USS F-1 (SS-20)، والتي تعد واحدة من أوائل الغواصات في تاريخ البحرية الأمريكية بحالة جيدة رغم مرور الزمن، ورصد الحطام على عمق يقارب 1300 قدم (نحو 400 متر) تحت المحيط.
البدايات الأولى لعصر الغواصات
بدأت البحرية الأمريكية تشغيل الغواصات في مطلع القرن العشرين، حين دخلت الغواصة USS Holland (SS-1) الخدمة عام 1900، لتفتح الباب أمام عصر جديد في الحرب البحرية. تبعتها سلسلة من الغواصات الصغيرة، من بينها الغواصة F-1 التي بُنيت عام 1911 ودخلت الخدمة رسميًا في عام 1912.
كانت الغواصات من فئة F-Class تُعتبر في ذلك الوقت من أكثر الابتكارات تقدما، لكنها كانت أيضا تجريبية للغاية، ما جعلها عرضة للمخاطر والأعطال.
حادث مأساوي في سان بيدرو
في 17 ديسمبر 1917، وأثناء مناورات تدريبية قبالة سواحل سان بيدرو، ولاية كاليفورنيا، في المحيط الهادئ اصطدمت الغواصة F-1 بالغواصة F-3 (SS-22) بعد سوء تنسيق أثناء التدريب الليلي.
غرقت F-1 خلال عشر ثوانٍ فقط، لتصبح أول غواصة تفقدها البحرية الأمريكية خلال الحرب العالمية الأولى — والوحيدة التي لم تُفقد في معركة، بل في حادث تدريبي مأساوي.
من بين 24 بحّارا كانوا على متنها، نجا خمسة فقط، بينما لقي 19 فردًا حتفهم مع الغواصة التي ابتلعها البحر بسرعة مروّعة.
اكتشاف قديم.. وعودة بعد نصف قرن
لم يكن موقع الحطام لغزا بالكامل. ففي أكتوبر 1975، كانت سفينة الأبحاث الأوقيانوغرافية USNS De Steiger (T-AGOR-12) تبحث عن طائرة مفقودة قبالة سواحل كاليفورنيا، لتكتشف بالصدفة حطام F-1.
لكن لعدم ارتباط الاكتشاف بمهمة السفينة، لم تُجرِ أي مسوحات تفصيلية آنذاك، ولم تُعلَن النتائج على نطاق واسع، لتبقى الغواصة طي النسيان لما يقارب خمسين عامًا.
التكنولوجيا تُعيد كتابة التاريخ
في عام 2025، استخدم باحثو معهد وودز هول لعلوم المحيطات (WHOI) بيانات المسح القديمة من عام 1975، مدعومة بتقنيات حديثة تشمل روبوتات غاطسة ذات تصوير رقمي وسونار متطور.
وبعد تحليل دقيق للبيانات، أكد الفريق أن الحطام يعود بالفعل للغواصة USS F-1. أظهرت الصور عالية الدقة بدن الغواصة مائلًا إلى اليمين، بحالة جيدة نسبيًا بعد أكثر من قرن في الأعماق.
المفاجأة الكبرى كانت العثور على قاذفة طوربيد من طراز Grumman TBF Avenger قرب الغواصة، وهي طائرة تابعة للبحرية الأمريكية فُقدت عام 1950. هذا الاكتشاف المزدوج أتاح فرصة نادرة لدراسة تاريخين بحريين مختلفين في موقع واحد.
إرث من الصمت والحديد
رغم أن غرق الغواصة F-1 لم يكن أكبر كارثة بحرية في تاريخ الغواصات، إلا أنه شكّل نقطة تحوّل في تطوير معايير الأمان والتصميم داخل البحرية الأمريكية.
ويُعد اكتشافها اليوم بمثابة نافذة على بدايات الغواصات العسكرية، حين كانت التكنولوجيا في مهدها والمخاطر في كل غوصة.
يقول فريق WHOI إن هذا الاكتشاف ليس مجرد إنجاز علمي، بل أيضًا عمل تذكاري لطاقم الغواصة الذين قضوا في الخدمة. الصور التي التقطتها الروبوتات تُظهر الغواصة كما لو كانت ما تزال تبحر في صمت في أعماق المحيط، تروي حكاية شجاعة وابتكار ودرسًا في ثمن التقدم.