همزة وصل -
شهد الذكاء الاصطناعي تطورًا مذهلًا في السنوات الأخيرة، خاصة في مجالات توليد الصور والنصوص والموسيقى، حتى بدا وكأنه قادر على الإبداع ومنافسة الإنسان في مجالات فنية وفكرية متعددة. إلا أن الدراسات الحديثة تكشف أن هذا التفوق لا يعكس إبداعًا حقيقيًا بقدر ما يعكس قدرة عالية على التقليد وإعادة التركيب.
فالذكاء الاصطناعي يعتمد أساسًا على تحليل كميات هائلة من البيانات السابقة، واستخلاص الأنماط الأكثر شيوعًا منها، ثم إعادة إنتاجها بصيغ جديدة ظاهريًا لكنها مألوفة في جوهرها. وعلى الرغم من دقته وسرعته، فإنه يفتقر إلى الخيال، والتجربة الذاتية، والوعي بالسياق الإنساني، وهي عناصر جوهرية في الابتكار الحقيقي.
ومن هنا يبرز السؤال: لماذا يبرع الذكاء الاصطناعي في التقليد أكثر من الابتكار؟ وما حدود قدرته الإبداعية مقارنة بالعقل البشري؟

لماذا يكرر الذكاء الاصطناعي الأنماط البصرية بدل ابتكارها؟
كشفت دراسة حديثة أن نماذج توليد الصور بالذكاء الاصطناعي، وبالرغم من قدرتها النظرية على إنتاج عدد غير محدود من التصاميم، تميل في الواقع إلى الاعتماد على مجموعة ضيقة من الأنماط البصرية المتكررة، ما يحدّ من تنوعها الإبداعي.
باحثون يرصدون ظاهرة التكرار
توصل باحثون من قسم تحليل البيانات بجامعة دالارنا في السويد إلى أن نماذج توليد الصور، عند تعرضها لسلسلة طويلة من الطلبات المتتابعة، تعيد إنتاج نفس الأساليب البصرية تقريبًا في كل مرة، مما يؤدي إلى نتائج متشابهة ومألوفة بصريًا.
الأساليب البصرية تهيمن على النتائج
نُشرت الدراسة في مجلة Patterns، وهي دورية علمية متخصصة في أبحاث البيانات والذكاء الاصطناعي واختبرت نموذجين معروفين في توليد الصور وهما:، Stable Diffusion XL و LLaVA ، وذلك من خلال تجربة مبتكرة تشبه لعبة «التليفون البصري».

الدراسة حلّلت كيف تتصرف نماذج توليد الصور عند التحويل المتكرر بين النص والصورة في حلقة تشبه لعبة "التليفون البصري"، ووجدت أن الصور الناتجة تنتهي دائماً إلى أنماط بصرية عامة ومتكررة، مما يشير إلى أن الذكاء الاصطناعي لا يمارس إبداعًا بصريًا حقيقيًا بقدر ما يعيد إنتاج أنماط مألوفة من بيانات التدريب
كيف أُجريت التجربة؟
بدأت التجربة بتزويد نموذج Stable Diffusion XL بوصف نصي تفصيلي لإنشاء صورة.
ثم قام نموذج LLaVA بوصف الصورة الناتجة نصيًا، ليُعاد هذا الوصف مرة أخرى إلى Stable Diffusion لإنتاج صورة جديدة.
استمرت هذه العملية لما يقارب 100 جولة متتالية لكل سلسلة اختبار.

النتائج: اختفاء الفكرة وبقاء النمط
أظهرت النتائج أن الصورة الأصلية تفقد ملامحها بسرعة مع تكرار الجولات، لكن اللافت أن النماذج تعود دائمًا إلى أنماط بصرية محددة.
وبعد اختبار ألف سلسلة مختلفة، وجد الباحثون أن أغلب الصور النهائية تندرج ضمن 12 نمطًا بصريًا فقط، من بينها: المنارات البحرية والديكورات الداخلية الرسمية والمدن الليلية والعمارة الريفية.
ظاهرة الموسيقى التصويرية البصرية
وصف الباحثون هذه الظاهرة بأنها أشبه بـ «الموسيقى التصويرية البصرية»، في إشارة إلى الطابع العام والمألوف لهذه الصور، كما لو كانت لوحات جاهزة تُعلّق في الفنادق أو الأماكن العامة.
لماذا لا يتميز الذكاء الاصطناعي بالإبداع؟
تشير الدراسة إلى أن الذكاء الاصطناعي يفتقر إلى مرونة الإبداع البشري.
ففي لعبة «التليفون» بين البشر، تتغير الرسالة بشكل كبير نتيجة اختلاف الإدراك والتفسير والخلفيات الفردية.
أما الذكاء الاصطناعي، فحتى عند استخدام أوصاف غريبة أو معقدة، فإنه يميل إلى إعادة إنتاج الأنماط الأكثر شيوعًا في بيانات التدريب التي تعلّم منها.
الذكاء الاصطناعي محكوم ببياناته
أظهرت التجارب أن تغيير النماذج المستخدمة لم يمنع تكرار نفس الاتجاهات البصرية، ما يؤكد أن المشكلة لا تتعلق بنموذج معين، بل بطبيعة بيانات التدريب نفسها، والتي تعكس أذواقًا بشرية شائعة ومحدودة.
يخلص الباحثون إلى أن نسخ الأنماط البصرية أسهل بكثير من تعليم الذكاء الاصطناعي الذوق الفني أو الإبداع الحقيقي.
فالذكاء الاصطناعي لا يزال بارعًا في التقليد، لكنه لم يصل بعد إلى مستوى الابتكار الحر الذي يميز العقل البشري.



