الهدرُ الغذائيُ أحدُ أهم الأخطار التي تُهدّد النظامَ البيئيّ،
وتقود التنوعَ الحيوي إلى الانحدار، وقد دُقت أجراسُه منذ فترة، فبدأ العالم
يلتفتُ إلى ضجيجِها، ورُبَّما هناك حلول بيئية ناقشها المُهتمون بالمُحافظة على
نظامنا البيئي، خوفًا من تداعي موارد الحياة على كوكبنا العظيم، ولكنْ لا يُغيرُ
اللهُ ما بقومٍ حتى يُغيّروا ما بأنفسِهِم، وفي اعتقادي، فإن الحكومات لا تستطيع
وحدها أن تضعَ حدًا للهدر الغذائي بينما ثقافة الاستهلاك في اضطراد مُتسارع، ولا
يمكن السيطرة عليه دون وعي الإنسان بمخاطره، واتخاذ خطوات ملموسة للحد من آثاره
الكارثية.
إن ما نُلاحظه يوميًا من هدر للغذاء -إذ إن حوالي ثلث الغذاء المُنتج
للاستهلاك الآدمي يتم هدره أو فقده بخَسارة مالية تُقدّر بحوالي 1 تريليون دولار
أمريكي سنويًا- وهذا يتطلب التوقف حالًا، والتفكير في وضع حد لمُمارساتنا الشائنة
في استهلاك الأغذية، انطلاقًا من سلوكياتنا اليومية وعاداتنا واختياراتنا لأنواع
الطعام، وأساليب حفظ الطعام المُتعددة، لا أعلم من أين أبدأ، فالأشكال مُتعددة
وجميعها مُخزية في حق الطبيعة والبيئة، بَدءًا من نوع الأغذية، الذي يعتمد على
المصدر الحيواني، كوجبات أساسية في اليوم، فالبعض لا يشعر بالإشباع إلا إذا حصل
على حصتين أو ثلاث من اللحوم يوميًا، ضاربًا بكل أشكال التوعية عُرضَ الحائط،
بينما يتدنى الاعتماد على الأكلات المُقتصرة على الخَضراوات والفاكهة، والتي هي
أفضل للصحة، فمن المُلائم اقتصار استهلاك اللحوم على وجبتين أو ثلاث في الأسبوع،
وهذا من شأنه أن يحد من استهلاك لحوم الحيوانات والأحياء البحرية التي لها دور
أكبر في الطبيعة من مجرد تغذية الإنسان.
ولا يقتصر الأمر على ذلك، فاختلاف الأذواق في الأسرة الواحدة، يجعل
تعدد أصناف الطعام أمرًا ضروريًا، وبالتالي استهلاك كَميات وأنواع من الطعام تفيض
عن الحاجة، بينما أسهل الطرق للتخلص من الفائض هو إرساله للقُمامة، نجد صورة أخرى
من المشهد لملايين الناس يتضوّرون جوعًا، فهناك ما يُقارب 118 مليون شخص ينامون
جائعين!
بالإضافة إلى بعض العادات، التي تُغري الأشخاص بالتمسك بها كدِلالة
على الحداثة والتطور ولزوم الشياكة، كالاحتفال بمُناسبات غير ضرورية مُبالغ فيها،
في استقبال المواليد، وعقد القِران والخطوبة وليلة الحناء والأفراح، والنجاح
والتخرج وأعياد الميلاد والتجمّعات النسائية، والمجالس.. و.. و..الخ حدِّث في ذلك
ولا حرج، واختراع أنماط عجيبة في تقديم وتوزيع الأطعمة والحَلْوَيَات في هذه
المُناسبات بشكل ينم عن الجهل والجشع، وإشباع أجيج النفس الذي لا يهدأ.
وبنظرة ماسحة إلى مُحيطنا، تجد الدول العربية تعج بالمقاهي والمطاعم
التي تزيد عن حاجة السكان، وتقدم قائمة أنواع مُتعددة ومُتشابهة، فأين يذهب
الفائض؟! ومثلها الفنادق، فأين تذهب كَميات الطعام التي تعد يوميًا في بوفيهات
الإفطار والغداء والعشاء؟! لست مع تحجيم هذه الأماكن، لما لها من فوائد على صُعُد
أخرى، ولكن يجب التوجيه والترشيد وسنّ التشريعات القانونية إن لزم الأمر، فالمقاهي
يجب أن تكون مُتخصصة، ومُلتزمة بعدد مُعين من الأصناف في قائمة طعامها، أما الفنادق
فينبغي تقنين الأصناف وتحديد الكَميات التي تُقدم في البوفيهات.
ناهيك عن هدر الماء، واستهلاكه بطريقة بشعة، ذلك المورد الذي يتم
استخدامه في إنتاج الغذاء المُهدر، بطريقة قد تملأ بحيرة جنيف ثلاث مرات أو ربما
يزيد، فما بالك بالمُمارسات الأخرى في هدر الماء؟!
دمتم بود.