كل السيناريوهات مفتوحة على
مصراعيها في حرب الإبادة التي يقودها كيان الاحتلال ضد الأهل في غزة، ولا شك بأن
ذلك ستكون له تداعيات عميقة على الاقتصاد الوطني، وهو ما يتطلب من المعنيين التحوط
تجاه تلك الآثار، وزيادة الاعتماد على الذات في إدارة الاقتصاد وتمويل المشاريع
الاستراتيجية ذات البعد الحيوي وتنويع مصادر الاعتماد الخارجية والداخلية معًا،
كما خلصت بذلك الجلسة الحوارية التي عقدتها جمعية إدامة للطاقة والمياه والبيئة
قبل أيام قليلة لمناقشة أمن الموارد في المملكة.
الجلسة الحوارية التي أقامتها إدامة في هذا
الوقت تحديدًا، وفي ظل حرب الإبادة في غزة وسيناريوهاتها المختلفة، كانت مليئة
بالمعلومات الاستراتيجية عن قطاعي المياه والطاقة في المملكة، التي قدمها نخبة
متخصصة في هذا المجال، والذين أجمعوا على أهمية قيام الأردن بتنويع إدارة مصادر
الطاقة والمياه في المرحلة المقبلة، ويوفر البدائل لتنويع مصادر التزود، دون أن
يؤثر في أمنه واستقراره.
وهنا يؤكد الملك، بتوجيهاته الأخيرة
للحكومة، على أن مشروع الناقل الوطني هو أولوية وطنية على رأس المشاريع التي يجب
السير قدمًا في تنفيذها لأهميتها الكبرى في تحقيق الاستقرار الذاتي في ملف المياه،
الذي يُعتبر أحد أبرز التحديات التي تواجه العملية التنموية في المملكة، مما يتطلب
الأمر تحركًا حكوميًا ذا وتيرة سريعة، خاصة وأن فتح العروض من قبل الائتلافات
الاستثمارية سيكون في بداية الشهر المقبل، وهو ما يستدعي من الحكومة إزالة كافة
العقبات البيروقراطية وتوفير السيولة المطلوبة لتمويل المشروع بالشكل الذي يخفف
أعباء التمويل وكلفته التشغيلية.
نقولها بصراحة، إنه في ظل حكومة اليمين
المتطرفة في كيان الاحتلال، والممارسات التي ترتكبها ضد الأهل في غزة، فإن كل
السيناريوهات قد تكون واردة، وجزء منها يتعلق بتزويد المملكة بالمياه من الكيان
بحصة سنوية تتجاوز الـ50 مليون متر مكعب، الأمر الذي يدفع الحكومة للتحوط من
سيناريو قطع إمدادات المياه عن الأردن نتيجة لمواقفها السياسية ضده في حرب غزة
خاصة والقضية الفلسطينية عامةً.
وهذا لا يتحقق إلا من خلال الإسراع في تنفيذ
مشروع الناقل الوطني الذي سيزود المملكة بحوالي 300 مليون متر مكعب من المياه
سنويًا، إضافة إلى مشاريع المياه الأخرى التي يجب النهوض بها ضمن خطة مدروسة
وبسرعة كبيرة.
والآن، لا يختلف الأمر بالنسبة للطاقة،
وخاصة في مسألة الغاز، حيث بدأت الحكومة مبكرًا بالاتصال بدولتين لتأمين إمدادات
الغاز المسال للمملكة استعدادًا لمواجهة سيناريو انقطاع الغاز الإسرائيلي عن
المملكة كإجراء محتمل من كيان الاحتلال.
يتطلب الأمر أيضًا تحركًا حكوميًا أوسع
لتأمين التزود بالطاقة، ليس فقط في مجال الغاز، وإنما بالإسراع في مشاريع الطاقة
الوطنية من غاز الريشة والطاقة المتجددة والصخر الزيتي وحفر آبار النفط والغاز،
إضافة إلى الإسراع في اتخاذ خطوات عملية وفعلية لإنجاز مشروع التوسعة الرابعة
لشركة مصفاة البترول الأردنية ، وإزالة كافة العقبات الإدارية أو المالية في وجهه،
وتغيير كل سبل الإنجاز للمشروع الاستراتيجي للدولة.
زيادة الاعتماد على الذات في ملفي التزود
بالطاقة والمياه يعني زيادة الاستقرار ودعم المشروع السياسي والاقتصادي للدولة،
ويعزز المواقف القومية في المنطقة، ويساهم في توفير إيرادات جديدة أيضًا للخزينة
التي ستتوفر لها تحصيلات من موارد إضافية لم تكن موجودة في السابق.