همزة وصل – القاهرة : تعيش دور العرض السينمائي في مصر
تراجعا في الإقبال الجماهيري، حيث يبدي الجمهور تضامنا مع الأوضاع في غزة ورفضا
لمواكبة العروض السينمائية، وهو ما دفع منتجين نحو تأجيل إطلاق أفلام رأس السنة
خوفا من تكبد خسائر مالية فادحة، في حين يرى نقاد أن الأعمال التي نزلت إلى السوق
تحقق عائدات مهمة على عكس ما يروجه البعض.
سجلت السينما المصرية تراجعا ملحوظا في الإيرادات المادية خلال الشهرين الماضيين ظهرت ملامحه في حالة ارتباك هيمنت على بعض قرارات طرح الأفلام الجديدة ومواعيدها في الموسم الشتوي الذي يتضمن أعياد رأس السنة وإجازة منتصف العام الدراسي، ويستمر حتى فبراير المقبل.
ويتخوف البعض من المنتجين من أن يتسبب تراجع إقبال المصريين على دور العرض في حدوث انتكاسة بعد أن نجحت الأفلام في تجاوز فترة فايروس كورونا واستفادت بشكل كبير من توسع العرض في دول عربية عديدة، في مقدمتها السعودية والإمارات.
وكانت الأيام الماضية شاهدة على رفع أفلام لم تحقق إيرادات مناسبة في دور العرض المصرية، وقررت الشركة المنتجة لفيلم "سكر” وقفه بعد شهرين من عرضه وتحقيق إيرادات أقل من التوقعات (نصف مليون دولار)، في حين حقق الفيلم بعد شهر واحد من عرضه في سينمات دول عربية إيرادات تقدّر بمليوني دولار، والوضع ذاته بالنسبة إلى فيلم "حسن المصري” الذي حقق مليون دولار ونصف المليون دولار بعد شهرين من عرضه.
وتشير أرقام نشرتها غرفة صناعة السينما في مصر إلى أن الإيرادات تتراوح يوميا بين 33 ألف دولار و7 آلاف دولار، وهي حصيلة عشرة أفلام موجودة في دور العرض المصرية خلال الشهرين الماضيين، وبعض هذه الأفلام بدأ عرضه منذ موسم الصيف، مثل "البعبع” و”بيت الروبي” و”أولاد حريم كريم”.
وكان من المقرر أن تستقبل السينمات المصرية فيلم "الحريفة” في 22 نوفمبر الماضي، بطولة نور النبوي وأحمد غزي ومطرب المهرجانات كزبرة والفنانة نور إيهاب، وتأليف إياد صالح، وإخراج رؤوف السيد. لكن لم يتم طرحه وأعلنت شركة "سينرجي” المنتجة له عرضه مطلع يناير المقبل.
وكان أيضا من المقرر عرض فيلم "أبونسب”، بطولة محمد عادل إمام وماجد الكدواني وياسمين صبري، في 13 ديسمبر الجاري قبل إرجائه إلى بداية يناير المقبل، كذلك عرض فيلم "آل شنب” بدور العرض السينمائي قبل عرضه في مهرجان الجونة السينمائي وتم تأجيله إلى نهاية يناير القادم، بطولة ليلى علوي ولبلبة وأسماء جلال وهيدى كرم.
وجرى الإعلان عن الانتهاء من تصوير بعض الأفلام وقرب موعد طرحها لكنها يمكن ألا تلحق بدور العرض قبل ليلة رأس السنة وأعياد الكريسماس، وهما مناسبتان تشهدان عادة طرح مجموعة من الأفلام الجديدة ويتم الترويج لها تمهيداً لاستقبال الجزء الأكبر من الجمهور في إجازة منتصف العام الدراسي، بينها فيلم "كارت شحن”، بطولة محمد ثروت وبيومي فؤاد، و”الإسكندراني”، بطولة أحمد العوضي وحسين فهمي وصلاح عبدالله، وإخراج خالد يوسف.
ومن المنتظر عرض فيلم "أنا وابن خالتي”، بطولة بيومي فؤاد وسيد رجب، لكن لم يتم تحديد موعد عرضه، بجانب فيلم "مقسوم”، بطولة ليلى علوي وشيرين رضا، ويتناول قصة ثلاث مطربات معتزلات امتلكن فرقة موسيقية في فترة التسعينات، ويتجدد اللقاء بينهن بعد مرور 30 عاما فيقررن العودة إلى النشاط الفني، وتمر حياتهن بالعديد من المطبات والأزمات، في إطار اجتماعي كوميدي موسيقي.
واستقبلت دور العرض المصرية فيلم "شماريخ”، بطولة آسر ياسين وأمينة خليل وخالد الصاوي، وتأليف وإخراج عمرو سلامة، بعد عرضه مؤخرًا في مهرجان البحر الأحمر السينمائي ضمن برنامج "روائع عربية”.
وقال الناقد الفني أحمد عاشور إن "تخوف البعض من المنتجين من عرض أفلام في الموسم الشتوي عملية مستبعدة، ففي ظل أزمة كورونا استمرت الشركات في تقديم أفلامها، كما أن الأحداث السياسية لم تؤثر على إقبال الجمهور على الأفلام المصرية في دول الخليج وحققت إيرادات جيدة في موسم الرياض، ويرتبط الأمر باعتبارات تتعلق بالجمهور المصري وقراره الذهاب إلى السينما أم لا".
وأشار في تصريح لـ"العرب" إلى أن "قلة عدد الأفلام ليست مبررا للقول إن موسم الشتاء لن يشهد إقبالا، فهذا الموسم يستمر حتى بداية شهر رمضان، وهناك فترة طويلة يمكن عرض بعض الأفلام فيها، كما أن شركات الإنتاج بدأت تحقق مكاسب مهمة من العرض في الدول العربية، وهذا دافع رئيسي لاستمرار الإنتاج"، متوقعا أن يتزايد الإقبال على دور العرض المصرية خلال إجازة منتصف العام الدراسي.
ولفت إلى أن "عزو تراجع الإيرادات إلى عدم جودة المحتوى المقدم ليس دقيقا، لأن غالبية الأفلام المعروضة في دور العرض المصرية ليست بالمستوى الذي يخلق إقبالا كبيرا لكن في النهاية تستمر مكاسب شركات الإنتاج، ومازال الإقبال في الداخل والخارج جيدا”، مشددا على أن بعض الشركات تنظر إلى موسم الصيف على أنه الأكثر جذبا للجمهور، وتفضل أن تتواجد فيه بما يعزز مكاسبها.
لكن الناقد الفني محمد عبدالرحمن يرى أن السينما المصرية تعيش حالة استفاقة يمكن أن تستمر فترة طويلة من العام المقبل، وأن العام الماضي كان شاهدًا على تقديم 43 فيلما، فيما يصل عدد الأفلام التي تم الانتهاء من تصويرها وتجهيزها للعرض في العام الجديد إلى نحو 35 فيلما، ما يشي بأن الرقم قابل للتزايد، مع توسيع نطاق التعاون بين شركات إنتاج مصرية وأخرى عربية وإتاحة الفرصة لتقديم أبطال جدد لشباك التذاكر دون الاعتماد فقط على العوائد التي تجلبها دور العرض المصرية.
وذكر في تصريح لـ”العرب” أن "تراجع الإيرادات خلال الفترة الماضية يرجع إلى تطورات الأحداث العسكرية في غزة التي أثرت سلبًا على اتجاهات المصريين بوجه عام مع المخاوف من تأثيرها على الأوضاع الداخلية، علاوة على بدء العام الدراسي الذي يؤثر سلبا على دور العرض، مع غياب التسويق الجيد، والانشغال بانتخابات الرئاسة”.
ويتفق البعض من النقاد على أن ما تمر به السينما المصرية حاليا يعبر عن ارتباك لن يدوم طويلا، يعود إلى إعادة تنظيم السوق ومحاولة الاستفادة من التغيرات الحاصلة على مستوى انتشار الأفلام المصرية عربيا، والتي لم تتبلور بالشكل الكامل الذي يضمن خلق أسواق لها، وعدم الاعتماد فقط على الإقبال الجماهيري على شباك التذاكر في الداخل، كما أن المشكلات الاقتصادية العامة في مصر تطال الإنتاج السينمائي.
ويؤدي عدم استطاعة القائمين على صناعة السينما الخروج من السياقات المألوفة للجمهور وتقديم أفلام ناجحة تجاريًا وفنياً إلى عدم جذب قطاعات واسعة من الشباب والمراهقين، وعلى المنتجين خلق حالة اصطفاف حول أفلام بعينها قد تدفع كثيرين ممن عزفوا عن الذهاب إلى السينما لاستعادة العلاقة معها مجددا، ما ينعكس بصورة إيجابية على تطور الإنتاج السينمائي بوجه عام في مصر خلال الفترة المقبلة.