أُسدل الستار على المرحلة الثانية والأخيرة لمواجهات ذهاب دور الـ16 لدوري أبطال أوروبا، بنتائج في المجمل، تندرج تحت مسمى «متوقعة»، سواء استنادا إلى تاريخ نتائج المواجهات المباشرة أو للظروف والحالة العامة للفرق في الأسابيع القليلة الماضية، كانتصار متصدر الدوري الإيطالي الإنتر على ضيفه الإسباني أتلتيكو مدريد، وتعادل بوروسيا دورتموند خارج قواعده أمام بي إس في آيندهوفن، وكذلك آرسنال فشل مرة أخرى في فك طلاسم ملعب «الدراغاو» أمام مضيفه بورتو البرتغالي، فقط برشلونة هو من خالف أغلب التوقعات، بظهوره بمستوى أقل ما يُقال عنه «مميز» في صدامه مع حامل لقب الكالتشيو نابولي في عقر داره «دييغو أرماندو مارادونا»، ومع ذلك لم يحقق البلوغرانا الهدف المنشود، بعد تفريط اللاعبين في الفوز في آخر 10 دقائق. والآن دعونا نناقش معا ماذا حدث في ليالي الكأس ذات الأذنين منتصف الأسبوع الماضي وتوقعات الأوفر حظا للتأهل للدور ربع النهائي؟
سوء الطالع
نبدأ بالمواجهة الأكثر مشاهدة ومتابعة إعلاميا، التي جمعت فقراء الجنوب الإيطالي بالعملاق الكتالوني في قلب «دييغو أرماندو مارادونا»، وانتهت بالتعادل الإيجابي بهدف لمثله، في نتيجة مخادعة وغير معبرة تماما عن أحداث المواجهة، التي ربما لو تكررت 10 مرات في نفس الظروف، لانتهت بفوز البارسا بأكثر من هدفين عل كل مرة، وشاهدنا استجابة اللاعبين لاستراتيجية المايسترو تشافي هيرنانديز، التي كانت واضحة وضوح الشمس في ظهيرة الصيف الحارق، أنها مُقتبسة بالكربون من نفحات وإبداعات سيد المدربين بيب غوارديولا، باللعب على الورق بالطريقة الكلاسيكية 4-4-2 أو 4-3-3 في مواقف الدفاع والبحث عن الكرة، ثم تتحول إلى 3-2-4-1، بتوظيف البرتغالي جواو كانسيلو في مركز الظهير الأيسر الطائر، مع الاحتفاظ بثلاثة في خط الدفاع بتناوب جول كوندي وأندرياس كريستينسن بجوار ثنائي محور الدفاع اينيغيو مارتينيز ورونالد أراوخو، على غرار ما يفعله بيب مع ناثان آكي وجون ستونز، بإعطاء اللاعبين أدوار مركبة داخل المستطيل الأخضر، لضمان الزيادة العددية في كل مواقف الوسط والدفاع. وكان لتشافي ما أراد، خصوصا في أول 45 دقيقة، حيث استغل الثنائي إلكاي غندوغان وبيدري، انشغال الثلاثي أنغيسا وكاغوستي ولوبوتكا بالضغط على وسط البلوغرانا، ولعلنا لاحظنا كيف تفنن الثنائي غندوغان وبيدري في ضرب عمق البارتينوبي، تارة بالتسديدات بعيدة المدى وتارة أخرى لخلخلة الدفاع الإيطالي بتمريرات في ظهر المدافعين، بالطريقة التي حافظ بها روبرت ليفاندوسكي على صحوته المتأخرة، بهز شباك خصوم البارسا 5 مرات في آخر 4 مباريات في مختلف المسابقات، وهذا ما كان ينتظره ويتمناه تشافي ومن خلفه عشاق الكيان، على أمل أن يساهم في عودة الأمور إلى نصابها الصحيح، بقيادة الفريق إلى الدور ربع النهائي لدوري الأبطال، للمرة الأولى منذ عصر الأسطورة ليونيل ميسي، والمفارقة أن هدفه في شباك ممثل عاصمة البيتزا، هو أول هدف يسجله برشلونة خارج ملعبه في الإدوار الإقصائية منذ فعلها البرغوث شخصيا منذ 3 سنوات، وأيضا كان هدفه الشخصي رقم 93 في بطولة، معززا مكانه في المرتبة الثالثة في قائمة الهدافين التاريخيين لأعرق بطولات القارة العجوز خلف الملك كريستيانو رونالدو وأفضل لاعب في العالم ليونيل ميسي، لكن ما أفسد استفاقة ليفا وفي نفس الوقت حرم تشافي من انتصار لا يُقدر بثمن، ما يمكن وصفها بالغفلة التي أبدع القناص النيجيري فيكتور أوسيمين في استغلالها، في كرته المشتركة مع مارتينيز، التي أسفرت عن سقوط الأخير على الأرض، مكتفيا بمشاهدة لاعب العام في الماما أفريكا وهو يغالط الحارس الألماني تير شتيغن في انفراد صريح داخل مربع العمليات، وذلك في أول وآخر محاولة لنابولي على المرمى.
وفي المقابل أهدر الفريق الإسباني ما لا يقل عن 5 فرص محققة بنسبة 100%، ما بين رعونة مبالغ فيها في الثلث الأخير من الملعب، وتحديدا في اللمسة الأخيرة أمام الحارس، وبين لحظات خارقة من الحارس أليكس ميريت، استطاع خلالها الإبقاء على فرص فريقه، إلى أن فعلها أوسيمين في آخر 10 دقائق، وأيضا بالطريقة المعروفة عن الهداف النيجيري، بالاعتماد على موهبته النادرة، حتى لو لم يكن يتلقى أي مساندة أو دعم من الوسط والأطراف، وهذا ما جسده في استغلاله نصف الفرصة، التي حولها إلى انفراد ثم هدف من العدم، متقمصا دور البطولة المطلقة لفريقه، الذي كان وما زال يمر بمرحلة يراها الكثير من النقاد والمتابعين «كارثية»، بعد تحول منصب المدرب لنابولي إلى حقل تجارب منذ رحيل عراّب لقب الموسم الماضي لوتشيانو سباليتي في صيف 2023، آخرها إقالة والتر ماتزاري وتعيين مدرب منتخب سلوفاكيا ومساعد ماوريتسيو ساري ولوتشيانو سباليتي سابقا، فرانشيسكو كالتزونا، وهذا لا ينعكس بشكل سلبي على نتائج الفريق، بعد تقهقره إلى منتصف جدول ترتيب أندية السيريا آه، بل أيضا على الحالة الفنية والبدنية للاعبين، ويتجلى ذلك في النسخة الباهتة التي يبدو عليها جُل رجال موسم المعجزة، في مقدمتهم ساحر الموسم الماضي خفيتشا كفاراتسخيليا، الذي تحول فجأة وبدون سابق إنذار من ذاك المبدع القادر على صنع الفارق في الأوقات الصعبة، إلى شبح بالكاد يعيش على أطلال الماضي، ونفس الأمر ينطبق على ثنائي الوسط ستانيسلاس لوبوتكا وأنغيسا، بعد اختفاء الترابط والانسجام المميز بينهما، وغيرها من الأمور التي يتحسر عليها عشاق البارتينوبي في فترة ما بعد سباليتي، لكن الشيء المهم، أن الفريق خرج من المباراة بنتيجة جيدة جدا، أو على أقل تقدير تفادى الهزيمة والخروج الحتمي من البطولة قبل زيارة الملعب «الأولمبي» منتصف الشهر المقبل، بل أصبح في موقف قوي، على اعتبار أنه سيخوض ملحمة الإياب تحت شعار «بيدي لا بيد عمر» أو «ليس لدينا ما نخشاه أو نخاف منه» أو قل ما شئت من هذا القبيل، كونها لا بد أن تنتهي بفوز أحد الفريقين، بعد إلغاء القاعدة القديمة بإلغاء احتساب الهدف خارج القواعد باثنين، هذا في الوقت، الذي يعاني فيه برشلونة من صداع ضعف الشخصية وقلة التركيز داخل المستطيل، والدليل على ذلك انقلاب الأوضاع من النقيض إلى النقيض في آخر 10 دقائق، أو بالأحرى من فريق مهمين ومسيطر وكان بإمكانه قتل المباراة إكلينيكيا قبل الذهاب إلى غرفة خلع الملابس بين الشوطين، إلى فريق بالكاد لا يقوى على استيعاب ضغط المنافسين أو حتى يقوم بقلب الطاولة عليهم بالاستحواذ على الكرة وتدويرها في مناطق بعيدة عن مراكز ضغط الخصوم، وهي نفس الإشكالية التي يعاني منها الفريق في أغلب مبارياته على المستوى المحلي، والسؤال الذي يفرض نفسه: هل سيستفيد تشافي ورجاله من هذا الدرس في مباراة الإياب؟ أم يفعلها نابولي ويكتب أسوأ نهاية للمايسترو مع البارسا؟ بالطبع منطقيا يبدو الفريق الإسباني الأوفر حظا، قياسا بالنسخة الباهتة والنتائج السيئة التي يحققها خصمه الإيطالي منذ بداية الموسم بوجه عام، لكن في عالم كرة القدم، وفي أم بطولات القارة العجوز على وجه التحديد، علمتنا التجارب القديمة أن كل شيء يمكن حدوثه بعد سماع المعزوفة الموسيقية المهيبة «ذا تشامبيون».
دراما آرسنال
كان الاعتقاد السائد بالنسبة لعشاق آرسنال، أن الفريق سيكون على موعد مع نزهة في المتناول عندما يزور ملعب «الدراغاو»، وذلك بطبيعة الحال، قياسا إلى النتائج والعروض المذهلة التي يحققها فريق ميكيل آرتيتا، منذ انتهاء كوابيس نهاية العام الماضي وبداية العام الجديد، والتي وصلت لحد السقوط مرتين أمام وستهام يونايتد (0-2) وفولهام (1-2)، ثم بالهزيمة أمام ليفربول والخروج من الدور الثالث لكأس الاتحاد الإنكليزي، التي عاد بعدها الفريق أقوى من أي وقت مضى، محققا الفوز في 5 مباريات على التوالي، كأفضل انطلاقة للمدفعجية في عام ميلادي على مستوى البريميرليغ، بعد وصول الحصيلة التهديفية لنحو 21 هدفا، في المقابل اهتزت الشباك مرتين فقط في نفس المباريات، لكن على أرض الواقع، تفاجأ جمهور النادي اللندني، بما وُصف على نطاق واسع، بالأداء السلبي الذي قدمه اللاعبون، بالاكتفاء بالاستحواذ على الكرة وتدويرها بشكل عرضي لا يشكل أدنى خطورة على وسط ودفاع المنافس، والدليل على ذلك أن نسبة استحواذ ممثل البريميرليغ وصلت لنحو 65% مقابل 35% بالنسبة لعملاق كرة القدم البرتغالية، من دون أن يتمكن فريق آرتيتا من توجيه ولو تسديدة واحدة بين القائمين والعارضة، وسط علامات استفهام حول خبرته على الصعيد القاري، وبالأخص في مراحل خروج المغلوب التي عانى خلالها الأمرين في اليوروبا ليغ المواسم الماضية، لدرجة التمرس والاعتياد على تحقيق نتيجة مخيبة للآمال في مباراة الذهاب الأولى خارج القواعد، فارضا على نفسه صراعات وضغوطاً من الممكن تجنبها بقليل من الحكمة والقراءة الجيدة، وقبل هذا وذاك إتقان ورقة «المداورة»، كما يفعل أستاذه بيب غوارديولا، من أجل الحفاظ على لياقة لاعبيه حتى الأمتار الأخيرة، بينما ميكيل، فمن الواضح أنه لا يكترث لقاعدة تناوب اللاعبين، بإصرار غريب على اللعب بنفس أوراقه وطريقته المعتادة 4-3-3، وفي نفس الوقت، كان حريصا على شراء الوقت، معتقدا أن الفريق المضيف سيبقى في مناطقه الدفاعية حتى نهاية المباراة، وبناء عليه سيكون قد ضرب عصفورين بحجر واحد، الأول الخروج من الملعب العصي على الغانرز في كل العصور، ومنها أيضا لم يخسر جهود لاعبيه، الذين لعبوا مباراة أقل ما يُقال عنها اقتصادية، خوفا على سلامتهم قبل ملحمة سبت البريميرليغ أمام نيوكاسل.
لكن في النهاية استيقظ آرتيتا على كابوس غالينو، الذي فض الاشتباك بهدف رائع في الوقت المحتسب بدل الضائع، ولمعرفة سبب عجز الفريق المدجج بالنجوم في تهديد مرمى ديوغو كوستا، فتش عن الانضباط والتركيز والتحضير الجيد من المدرب سيرجيو كونسيساو، بتناوب اللعب بين طريقتي 4-4-2 و4-5-1، حسب المواقف الدفاعية والهجومية، متسلحا بخبرة ودهاء الأربعيني المخضرم بيبي، الذي ساعد الشاب العشريني أوتافيو، على تقديم أفضل ما لديه للفريق منذ قدومه في سوق الانتقالات الشتوية الأخيرة، في ما يمكن وصفه بالأداء القوي المنظم، المبني على أسس دفاعية بحتة، تجلت في نجاح المنظومة الدفاعية في حرمان بوكايو ساكا وغابرييل مارتينيلي ولياندرو تروسار، من التسديد على المرمى على مدار المباراة، وهذا في عالم كرة القدم، يعني أن الأمور سارت على ما يرام، فقط كان فريق كونسيساو، بحاجة لإسراع وتيرة عمليات التحول من الحالة الدفاعية إلى الهجومية، وهذا ما تحقق في الدقائق الأخيرة، بذاك الزخم الهائل الذي زلزل الأرض تحت أقدام لاعبو الفريق اللندني، وبالتبعية أسفر عن الهدف الذي خلط أوراق آرتيتا في مباراة العودة، وفي رواية أخرى، أعاده إلى المربع صفر، إذ سيتعين عليه خوض واحدة من المباريات المكلفة على المستوى البدني، كما حدث في مواجهات خروج المغلوب في اليوروبا ليغ الموسم الماضي، خصوصا مواجهات الإياب التي كانت تستنفد الكثير من رصيد اللاعبين على المستوى البدني، إلى أن اختلط الحابل بالنابل مع وصول اللاعبين إلى مرحلة الانهيار البدني في أواخر مارس/آذار وبداية أبريل/نيسان الحاسم، تلك الفترة التي تنازل فيها الفريق رغما عنه، عن صدارة الدوري الإنكليزي الممتاز لمصلحة مانشستر سيتي، بعد هيمنته على الصدارة في أغلب أوقات الموسم، ولو أنه بوجه عام، سيكون من الصعب التسليم بأن آرسنال، تعرض لهزيمة محرجة أو من الصعب تعويضها في المباراة، لكن بلغة العقل والمنطق، أقل ما يمكن قوله، إن مهمته لن تكون بهذه البساطة في قلعة «الإمارات»، حتى بعد عودة كتيبة المصابين غابرييل جيسوس وأولكسندر زينتشينكو وفابيو فييرا وتاكيهيرو تومياسو، إلا إذا استفاد المدرب الإسباني من دروس الذهاب وتجنب الانجرار إلى معركة بدنية مع فريق يُجيد التعامل مع هكذا مواعيد وضغوط، بفضل انضباط لاعبيه وترسانته الدفاعية، فهل يا ترى سيعيد التاريخ نفسه ويتمكن آرسنال من تحقيق نتيجة عريضة على بورتو في شمال العاصمة كما حدث في المواجهات الثلاث السابقة بينهما في وطن كرة القدم؟ أم سيكون للفريق البرتغالي رأي آخر؟
أم المعارك
على ملعب «جوسيبي مياتزا»، توجهت أنظار أغلب المشاهدين لمتابعة ملحمة سيموني إنزاغي ضد دييغو سيميوني، في مباراة شهدت عودة أتلتيكو مدريد، إلى عادته القديمة، رافعا شعار «الدفاع ثم الدفاع ثم الدفاع»، بصورة مغايرة لتلك التي يبدو عليها في مبارياته الأخيرة على مستوى الليغا، وأيضا غزواته الجريئة في مرحلة مجموعات دوري أبطال أوروبا، كثاني أقوى خط هجوم في البطولة، برصيد 17 هدفا، بفارق هدف عن حامل اللقب مانشستر سيتي، لكن كما أشرنا أعلاه، كل هذا تبخر أمام وصيف بطل النسخة الماضية الإنتر، الذي بدوره حافظ على عروضه ونتائجه المقنعة، التي مكنته من الابتعاد بصدارة السيريا آه، بفارق مريح عن أقرب ملاحقيه، والآن قطع شوطا كبيرا نحو الذهاب إلى الدور ربع النهائي، والأمر لا يتعلق بالانتصار المعقد، الذي احتاج أكثر من 70 دقيقة لعب، بل أيضا لحضور القوي للفريق أمام خصمه الإسباني العنيد، وشاهدنا تنوع الأفاعي في خلخلة دفاع الهند الحمر، بتدوير الكرة بين فيدريكو ديماركو وهنريك مخيتريان ونيكو باريلا، ومن ثم يأتي الأخير بكرة معلقة من فوق الرؤوس لواحد من ثنائي الهجوم لاوتارو مارتينيز وماركوس تورام، واللافت أن الفريق لم يتأثر بعد تعرض مهاجمه الفرنسي للإصابة التي أجبرته على ترك مكانه لماركو ارناوتوفيتش بين الشوطين، بل على العكس، تحسن كثيرا في الشوط الثاني، بمساعدة أو ما يمكن اعتبارها مجازا بـ«حلحلة» من قبل اللوتشو، بإقحام ألفارو موراتا لمساعدة الأنيق الفرنسي أنطوان غريزمان، معها تحرر الأتلتي نوعا ما، مقارنة بالطريقة الدفاعية البحتة، التي جعلته يخرج من الشوط الأول بلا تسديدة واحدة بين القوائم الخشبية، وهو التحرر الذي أحسن إنزاغي استغلاله، ليخطف الفوز بهدف بوزن الذهب، وربما لولا الإصابة التي ألمت بماركوس تورام في الشوط الأول، لما تأخر الانتصار كل هذا الوقت. ولعلنا شاهدنا غضب المشجعين وخروج البعض منهم عن أعصابه، في تفاعلهم مع الفرص السهلة التي تفنن البديل ارناوتوفيتش في إهدراها أمام الحارس يان أوبلاك، أبرزها الفرصة الغريبة التي أطاح بها في المدرجات وهو على بعد أمتار تعد على أصابع اليد الواحدة من شباك الضيوف، بخلاف نحس هداف الكالتشيو لاوتارو مارتينيز، الذي أضاع هو الآخر فرصتين كان من الممكن التعامل معهما بشكل أفضل، حتى الفرصة التي جاء منها الهدف، كانت في بدايتها مشهد الانفراد الصريح الذي أهدره لاوتارو أمام أوبلاك، لترتد لآرناوتوفيتش، الذي بدوره كان سيمارس هوايته في إهدار الفرص السهلة، لولا أن كرته ارتطمت في جسد لاعب الأتلتي سامويل لينو، بهذه الطريقة التي تهادت بها إلى الشباك، كأن الكرة أرادت مكافأة الطرف الأفضل والأحق بالفوز، بعد كم الفرص الهائل الذي أهدره نجوم الإنتر في الشوط الثاني، والذي أعاد إلى الأذهان سيناريو الليلة الظلماء أمام مانشستر سيتي في نهائي النسخة الماضية، تلك المباراة العالقة في أذهان عشاق النيراتزوري، بفضل الأداء المبهر الذي قدمه الفريق في هذه المباراة، ولم يكتمل بسبب التفنن في ضياع الفرص السهلة بنفس الطريقة، لكن هذه المرة، تفادى الفريق الإيطالي الضربة القاضية، وبعد سلسلة من المحاولات والغارات العنيفة على دفاع الهنود الحمر، حقق هدفه المطلوب والمنشود، بأخذ الأسبقية على الأتلتي بهدف نظيف، إلى أن يحين موعد معركة «سيفيتاس ميتروبوليتانو»، التي سيضطر خلالها الفريق العاصمي الإسباني، للعودة إلى طريقته المفضلة هذا الموسم، بتقديم كرة قدم مفتوحة، إذا كانت لديه رغبة جادة في تعويض تأخره في الذهاب، وهذا تقريبا نوع المباريات المفضل بالنسبة للمدرب الإيطالي، الذي عادة ما يبدع أمام خصومه الكبار الذين يبادلونه الهجوم ويلعبون بشكل مفتوح، والعكس تماما عندما يصطدم بأصحاب المدارس الدفاعية، والدليل على ذلك، التحول الملحوظ في شكل الهجوم ومستوى الخطورة على حامي العرين أوبلاك، منذ أن بدأ دييغو سيميوني في تحريك فريقه نوعا ما إلى الأمام بعد أول ربع ساعة من الشوط الثاني، لذا من ناحية المنطق والعقل، يمكن القول إن الإنتر، وضع بالفعل قدما في ربع نهائي الأبطال، لكن من يدري، قد يكشر الأتلتي عن أنيابه ويقلب الطاولة على الأفاعي بدعم ومساندة جماهيره في معركة الإياب.
أما المباراة الأقل متابعة، سواء على مستوى الجماهير أو وسائل الإعلام، والإشارة إلى مواجهة آيندهوفن الهولندي وبوروسيا درتموند الألماني، التي جرت مساء الثلاثاء على ملعب «فيليبس» وانتهت بالتعادل الإيجابي بهدف لكل فريق، فكان من الممكن أن تنتهي فوز مريح لممثل الأراضي المنخفضة، بعد هذا الكم الهائل من الفرص المحققة التي أتيحت لأصدقاء المغربي اسماعيل صابيري، منها انفراد صريح في أول 15 دقيقة، أنقذه الحارس ألكسندر ماير، ببراعة وردة فعل يُحسد عليها، ورغم أن هذا الانفراد ارتد على الفريق الهولندي، بالهدف الرائع الذي سجله دونيل مالين، في مرمى زميله السابق في نفس الملعب، إلا أنه لم يحبط معنويات اللاعبين، وتجلى ذلك في الاختبارات التي تعرض لها حامي عرين الضيوف بدون توقف، إلى أن جاءت اللحظة الفارقة التي أشار خلالها الحكم باحتساب ركلة الجزاء، التي سجل منها الدولي الهولندي لوك دي يونغ، هدف التعديل وعودة المباراة إلى نقطة الصفر، والمثير للإعجاب، أن آيندهوفن حافظ على نفس النسق، ولولا غياب التوفيق عن يوهان باكايوكو وسيرجينو ديست على وجه التحديد، لانتهى اللقاء بفوز صاحب الأرض، في المقابل أتيحت فرصة أخرى لأسود الفيستيفاليا على مدار الشوط الثاني، وأيضا كانت لصاحب الهدف، لكن هذه المرة تصدى لها الحارس بشكل جيد، لتبقى الأمور عالقة وقابلة لكل الاحتمالات عندما يتقابل الفريقيان على ملعب «سيغنال ايدونا بارك» منتصف الشهر المقبل.