تعتبر بخارى إحدى أعرق المدن الإسلامية عبر التاريخ، وتقع في أوزبكستان، وسط واحة كبيرة على المجرى الأدنى لنهر زرفشان، في بلاد ما وراء النهر، التي تعني منطقة تاريخية من آسيا الوسطى، تشمل أراضيها أوزبكستان، والجزء الجنوب الغربي من كازاخستان، والجزء الجنوبي من قيرغيزستان.
ورَد أول ذكر لاسم الموقع في مصادر صينية تعود إلى القرن السابع الميلادي، ولا يستبعد أن تكون كلمة «بخارى» محرّفة عن الكلمة السنسكريتية «فيهارا»، وهي البلدة التي اندمجت في بخارى، وورّد ذكرها عند جغرافيي القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي، حيث أطلقت المصادر العربية اسم «بخارى خداة» على سكان بخارى الأصليين.
تأسست المدينة طبقاً للملحمة الشعرية الإيرانية «شاهنامة»، على يد الملك سياوش ابن الشاه كيكاوس، أحد ملوك أسرة بيشداديان الأسطورية، الذي اختار هذا الموقع نظراً لتعدد أنهارهً ومناخه الدافئ، ووقوعه على طريق الحرير، ولكن التاريخ المحدد لتأسيسها غير معروف بالضبط، فأقدم قطع الفخار التي عثر عليها في المدينة تعود إلى عصر المملكة الإغريقية البخترية، وهي الفترة التالية لحملات الإسكندر الأكبر.
دخول الإسلام
تتفق أغلب الروايات على أن أول من اجتاز النهر من المسلمين إلى جبال بخارى هو عبيد الله بن زياد، والي خراسان سنة 54 ه / 674م، حين كانت تحكمها أرملة أميرها المسماة «خاتون»، فأرسلت إلى الترك تستمِدُّهم، فلقيهم المسلمون وهزموهم، ليصالحها عبيد الله بن زياد، بعد أن طلبت ذلك، ثم ولَى الخليفة معاوية بن أبي سفيان سعيد بن عثمان بن عفان خراسان سنة 56 ه، فغزا سمرقند.
إلا أن الحكم الإسلامي لم يتوطد في تلك المنطقة إلا في خلافة الوليد بن عبد الملك، عندما ولَّى الحجاجُ بن يوسف الثقفي قتيبةَ بن مسلم الباهلي على خراسان، ففتح قتيبة بخارى سنة 90 ه، ليطلب حاكمها «وردان خداه» مساعدة بالسّغد والترك، لكن قتيبة انتصر عليهم بعد قتال عنيف، وبنى فيما بعد المسجد الجامع داخل حصن بخارى سنة 94 ه/712 م، وكان ذلك الموضع بيت أصنام، فلما ازداد انتشار الإسلام لم يعد ذلك المسجد يتسع لهم فبُني مسجدٌ آخر بين السور والمدينة في عهد هارون الرشيد (170- 193 ه).
وحين نقل أمراء خراسان مركزهم إلى نيسابور، في القرن الثالث الهجري، بقيت بخارى تابعة إدارياً للطاهريين ولاة خراسان، حتى سنة 259 ه/873 م، ثم ولّى نصرُ بن أحمد الساماني أميرُ سمرقند أخاه إسماعيل على بُخارى، بناء على طلب أهلها وعلمائها، ولما تُوفي نصر صار إسماعيل حاكماً لما وراء النهر، واعترف به الخليفة أميراً على خراسان وما وراء النهر، فصارت بخارى عاصمة للدولة السامانية ومركز إشعاع للعلوم والصناعة، لتفقد الكثير من أهميتها بعد سقوط الدولة السامانية سنة 389 ه/999م.
قال عنها ياقوت الحموي في معجم البلدان «إنها أعظم مُدُن ما وراء النهر وأجلّها، يُعبَر إليها من آمُل الشّط، وبينها وبين نهر جيحون يومان من هذا الوجه، وكانت قاعدة ملك الإمارة السامانية»، كما تجلى اسمها في العديد من أعمال الأدب، نظراً لأهميتها الثقافية، حيث عرّف علي أكبر دهخدا اسم بخارى على أنه «الملء بالمعرفة»، وهو المعنى الذي أكده جلال الدين الرومي، حين قال مادحا المدينة: «بخارى منجم المعرفة»، كما وصفها الكاتب الإيطالي ماتيو ماريا بوياردو في ملحمته الرومانسية «اورلاندو العاشق» بأنها (أبوراكا) أي المدينة الكبيرة.
أثر لا يُمحى
توجد في بخارى العديد من الآثار الإسلامية المهمة، مثل: قُبة السامانيين، ومسجد نمازكاه الذي شيد في القرن السادس الهجري، ومئذنة كاليان، التي أقامها أرسلان خان سنة 1127 م، وضريح البخاري، كما خرّجت العديد من أعلام الإسلام، مثل: البخاري صاحب الصحيح (صحيح البخاري)، والزمخشري، وابن سينا البلخي، وبهاء الدين النقشبندي، وأبو علي البلعمي، ومحمد عوفي، وصدر الدين عيني، ويحيى بن جعفر البارقي، ومحمد أحمد البخاري.