غيّرت الحرب المتواصلة على قطاع غزة منذ نحو ستة أشهر، معالم عدة، من بينها مساجد تاريخية، فنالت من طقوس وعادات شهر رمضان المبارك، بعد أن سوّت العديد من المساجد بالأرض، وأضحى لا مجال فيها لإقامة الصلوات والتعبد بالشهر الفضيل كما درجت العادة.
فبعد تدمير إسرائيل قرابة ألف مسجد (كلياً أو جزئياً) من أصل 1200 مسجد في القطاع، منذ بدء الحرب، تم تدمير بعضها بقصفها من الجو بواسطة الطائرات الحربية، أو من خلال النسف بالمتفجرات، وفي أحيان أخرى استهدافها بقذائف الدبابات، لم يتمكن الغزيون من إحياء أيام وليالي شهر رمضان المبارك، من خلال الاعتكاف في المساجد، وإقامة الصلوات وحلقات العلم كما جرت العادة في سنوات سابقة.
أطنان من الألم والحزن، خلفتها الحرب مع حلول الشهر الفضيل، الذي كان أهل غزة ينتظرونه بكل الشوق، إذ لم يعد هناك أماكن للعبادة وإقامة «موائد الرحمن» للصائمين، وهي إحدى العادات التي ورثها الأبناء والأحفاد عن الآباء والأجداد.
المسجد العمري
من أبرز المساجد التي طالتها نيران الحرب، المسجد العمري الكبير في غزة القديمة، والذي شيد قبل أكثر من 1400 عام، وحمل اسم «العمري» نسبة للخليفة عمر بن الخطاب، ويعد من أقدم وأعرق المساجد في فلسطين، في حين يحتل المرتبة الثالثة من حيث المساحة، بعد المسجد الأقصى المبارك في القدس ومسجد أحمد باشا الجزار في عكا.
وهنالك علاقة تاريخية وطيدة بين المسجد العمري في غزة وشهر رمضان، حيث إن قدم المكان، والطابع الأثري الذي يميزه عن غيره، وأعمدة الرخام الـ 38 التي تنتصب داخله، وتعكس جمال الفنون المعمارية للعصور القديمة، تجذب المصلين من جميع المناطق والمدن الغزية إليه، وبعضهم يقطع مسافات طويلة، من أجل الصلاة فيه، أو تلاوة آيات من القرآن الكريم في جنباته وبين أروقته.
يقول عوض أبو الكاس (64 عاماً): "كنا نشتم رائحة المسجد الأقصى المبارك، بين جدران المسجد العمري، وفي شهر رمضان كان يرتاده الآلاف من المصلين، بينما كانت مئذنته تصدح بالمدائح والأناشيد الدينية، وتلاوة القرآن، لكننا حرمنا من الاستمتاع بأجوائه الروحانية هذا العام بعد أن دمرته إسرائيل".
ويضيف: "نتيجة لحرمان أهالي القطاع من الوصول إلى القدس، فإن الكثيرين منهم كانوا يستشعرون روحانية المسجد الأقصى في شهر رمضان، من خلال الصلاة والاعتكاف في المسجد العمري.. كان يعوضهم بعض الشيء، ويعد بالنسبة لهم الأقصى الصغير".