الأحزاب السياسية تحديات المستقبل

{title}
المحامي الدكتور هيثم عريفج
همزة وصل   -
بتكليف رسمي ملكي تم تشكيل لجنة تحديث المنظومة السياسية والتي هدفت لتطوير الحياة السياسية الأردنية ، وبناء أرضية حزبية برلمانية . الهدف كان التأسيس لمرحلة يكون عنوانها حكومات برلمانية منتخبة على أسس حزبية، وذلك من منطلق فهم وإيمان رأس الدولة أنها السلاح الأنجح في مواجهة تحديات المستقبل الإقتصادية او الجيوسياسية ، بما في ذلك تحديات التطور السريع للتكنولوجيا وتأثيرها على شكل المجتمعات والدول في السنوات القليلة القادمة ، إذ لابد أن نعي أن التطور التكنولوجي غير شكل المجتمعات بحيث فتح الحدود وغير قواعد لعبة التأثير الداخلي للشعوب ، وجعل العالم أصغر من قرية تختلط فيها مكونات الشعوب والفئات العمرية بطريقة مختلفة عما خبرناه وتعلمناه خصوصاً تلك الفئات الشابة التي نشأت بجينات فكرية بعيداً عن المسلمات السابقة ، وما سيكون له تأثير على شكل إستجابة الشعوب للتحديات ، وبالنتيجه لتحدينا الأكبر في المنطقة وهو القضية الفلسطينية وخطر التهجير والوطن البديل والذي يعد خطراً وجودياً على الأردن ، بالإضافة الى التحديات الإقتصادية والتي بدأت مراحلها الخطرة بما فيها نسب البطالة التي قد تتجاوز ال 45% بين الشباب ،وتحديات الدين العام الخارجي والداخلي بما في ذلك أيضاً تحديات مستقبل مؤسسة الضمان الإجتماعي والإستثمار في الاردن .
كل تلك التحديات أدت بالقيادة الى إتخاذها هذا القرار الإستراتيجي بأن المرحلة المقبلة هي مرحلة العمل الجماعي الفكري والبرامجي وذلك لأيجاد الحلول، وقبل ذلك تحمل المسؤولية من قبل ليس فقط النخب الأردنية بل أيضاً المواطن العادي الذي سيكون شريكاً كاملاً في صنع القرار .
نتج عن ذلك كما نعلم قانون إنتخاب وقانون أحزاب جديدين كان عنوانهما المشترك الأحزاب السياسية ودورها القادم ، لا أعتقد أنه قد غاب عن تفكير رأس الهرم التحديات والصعوبات التي ستواجه المرحلة المقبلة بما في ذلك نقل عقل السياسيين والناخبين من العقلية الفردية إلى عقلية العمل الجماعي ، والوقت الذي سيأخذه ذلك بالإضافة الى كمية الإحباط والتعثر التي ستواجهه ، الى أن نصل الى مرحلة الفلترة ، ووضع العربة على السكة الصحيحة بعيداً عن الفكر السابق .
لن ننكر أن الأحزاب أمام تحديات حقيقية عليها تجاوزها من خلال أيجاد الحلول المناسبة وعلى رأسها عدم وجود الخبرة الحزبية ، والأهم الخبرة الحقيقية والإيمان بالعمل الجماعي ، حيث لازال العمل شبه فردي ومعظم صانعي القرار داخل الاحزاب يؤمنون بالقائد الأوحد والقرار الفردي ، بعيداً عن التشاركية والتعاون ، بالإضافة الى مشاكل التمويل والتي تفرض على الاحزاب في كثيرر من الأحيان القبول بقادة وأعضاء ومرشحين بعيداً عن الخيارات الديمقراطية او تكافؤ الفرص ، مشاكل التمويل تلك تؤدي الى تحكم أصحاب رأس المال في قرارات الحزب المختلفة ، بل وفي مفاصل الحزب الإستراتيجية.
يضاف الى ذلك صعوبة تسويق الأحزاب الناتج بالأساس عن المخاوف المترسخة في العقل الباطن من التجارب السابقة ، والرعب من الملاحقة الأمنية للعمل الحزبي برغم الوعود والتشجيع الرسمي الأردني . كما أن عدم وضوح الرؤيه الحزبية بالإضافة للبرامج والسياسات مشكلة تؤرق الأحزاب وتجعلها أمام تحديات كبيرة .
ولا ننسى أن المواطن الأردني لا يثق بشكل عام بالاحزاب كما لا يثق في النتائج التي ستفرزها الإنتخابات وشفافيتها ونزاهتها ، مما يؤثر بالنتيجه على الحزب وإنتشاره .
الاستعجال في تطبيق قانون الإنتخاب تحديداً كان له تأثير سلبي على كامل العملية ، إذ كان الأولى أن يتم تطبيق قانون الإنتخاب الجديد والذي أفرد واحد وأربعين مقعداً على الأقل للأحزاب في إنتخابات 2028 لا في انتخابات 2024 ، حتى تمنح الأحزاب الفرصه الكافية وهي ستة سنوات لكي يتم تطبيق القانون مما يمنح الجديين فقط فرصة التصدي للعمل الحزبي وسيمنع الكثير من الطامحين بمقاعد نيابي مجانية من القفز وإمتطاء صهوة الأحزاب وتشويه العمل الحزبي .
الوقت هو أحد أهم العوامل التي يراهن عليه صاحب القرار ، حيث أن كل إنتخابات ستجرى على الأسس الحزبية ستدفع السياسيين والمواطنين إلى التأكد بأن العمل الفردي لن يفيد وستظهر قوى لن يكون لقوى الوضع الراهن القدرة على منافستها إلا من خلال مؤسسات حزبية حقيقية .
ما يسعفنا في ذلك أنه وبالرغم من تعثر العمل الحزبي الإردني في السنوات السابقة إلا أن العمل الحزبي ليس عملاً جديداً ولا طارئ على الأردنيين ، اذ بدأت التجربة الحزبية منذ العام 1919 حين إنتسب بعض القيادات الأردنية لحزب الإستقلال السوري عقب تسرب الأخبار عن أتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور ، وبعد تشكيل حكومة شرق الاردن عام 1921 تم تأسيس فرع لهذا الحزب في الاردن ، حيث شارك بعض أعضائه في حكومة رشيد طليع. ثم توالى تأسيس الأحزاب الأردنية وبرغم أعلان حالة الطوارئ ووقف النشاط الحزبي في عام 1957 حتى عام 1989 إلا أن الأحزاب الأردنية إستمرت بالعمل التنظيمي والسياسي مما أثرى التجربة الحزبية وكان له إنعكاس إيجابي على العمل .
كل هذا يجعلنا واثقين بأن العمل الحزبي وبرغم كل التحديات ذاهب في خطوات وإن كانت ثقيلة نحو الهدف المنشود ، قد يأخذ الأمر أكثر مما نتوقع لكن سيصل قطارنا الى محطته المنشودة في النهاية .
© جميع الحقوق محفوظة لهمزة وصل 2024
تصميم و تطوير