الأفلام التي تُطلق عرضها الأول في أحد المهرجانات، تتأخر في الوصول إلى الجمهور ليشاهدها في الصالات، يسمع عنها قبل أن يراها، يصله صدى آرء النقاد قبل أن يتمكن من الحكم عليها بنفسه، هكذا تأخر فيلم «آل شنب» المعروض في الصالات حالياً، في الوصول إلينا نحو عام، حيث شارك بعرض أول في مهرجان الجونة السينمائي في دورته السادسة التي أقيمت في ديسمبر العام الماضي بدلاً من أكتوبر بسبب أحداث غزة.. الفيلم اجتماعي كوميدي، والملفت أن اسمه «ذكوري» بينما تقود بطولته مجموعة من النجمات ويساندهن «نجوم ذكور» في أدوار ثانوية، لفتة ذكية من مؤلفي العمل الذي تقوده إخراجياً «أنثى»، فنجحت هذه التشكيلة في تقديم فيلم مميز، ظريف وتشعر بأنه بداية تمهيدية لقصة يمكن استكمالها بفيلم آخر.
البساطة في الفكرة وفي الكتابة تفرض بساطة في الإخراج وكذلك في التمثيل، والبساطة بلغة السينما تعني سهولة الوصول إلى قلب الجمهور والاقتراب بشدة من واقعه، فيشعر بأن الشخصيات تشبهه، تحكي قصصاً يعيشها أو يصادفها كل يوم في حياته، وتعني أيضاً تحقيق أول شروط النجاح طالما تمكن الفيلم من إرضاء جميع الأذواق وخاطب الجمهور بلغته وقدم له نماذج من المجتمع تشبهه وتحكي همومه وتناقش قضاياه حتى ولو بدا بعضها عادياً أو تافهاً، فليس من شروط النجاح الجماهيري تناول قضايا معقدة أو التعمق في القصص بشكل فلسفي، ولا التمادي في تبسيط الأمور والمضمون إلى درجة التفاهة وتفريغه من أي معنى عميق وجاد.
المؤلفان الشابان أحمد رؤوف وإسلام حسام كتبا قصة من واقع الحياة اليوم، قصة عائلة تشبه قصص كل العائلات، أربع شقيقات وشقيقهن الحاضر الغائب ورجال ونساء وأبناء وبنات الإخوة والأخوات.. حكاية عائلية تجد فيها نفسك وعمتك وخالتك وخالك وابن خالتك وجارك وزملاءك.. حكاية تشبه حكايات تلفزيون الواقع، مع فارق أن السيناريو مكتوب بعناية، وتسلسل الأحداث يقدم لك الشخصيات تباعاً لتنطلق من أول ثنائي نيللي شنب (ليلى علوي) وابنتها ليلى (أسماء جلال) ثم تتسع الدائرة لنتعرف إلى كل أفراد عائلة «شنب»، ونعيش معهم نحو ساعة ونصف الساعة أو أقل قليلاً، لنكتشف مشاكلهم وأحزانهم وأفراحهم..
قالب زمني
منذ اللقطة الأولى، تضع المخرجة آيتن أمين الفيلم في قالب زمني معاصر، «التشاتينج» هي لغة التواصل الأولى والتي نتعرف من خلالها إلى أسماء الشخصيات الرئيسية من خلال تواصلها على «جروب آل شنب» على «واتساب»، لقطة ذكية خصوصاً أن اسم وصورة كل شخصية تظهر مع «الفويس» أي الرسالة الصوتية المرسلة منها.. الشقيقات الكبرى نهى شنب (لبلبة)، نبيلة شنب (سوسن بدر)، نيللي شنب (ليلى علوي)، وندى شنب (هايدي كرم)، وكأنهن أمبراطورية نون (هل هي رمز لنون النسوة؟)، وشقيقهن حسن (بيومي فؤاد) المحبوب من الجميع، ويدخل على الخط طبعاً كل أعضاء المجموعة من أبناء الشقيقات لأن حسين لم يتزوج، وهو الوحيد الذي بقي في إسكندرية مسقط رأس آل شنب ويعيش في نفس بيت العائلة. ليلى (أسماء جلال) هي محور رئيسي في القصة، شابة ثلاثينية تعمل مسؤولة في أحد البنوك، تعاني من تحكّم والدتها نيللي في حياتها وفي كل قراراتها، تحب زميلها في العمل عمر ولا تبوح بأسرارها إلا لخالها حسين، فهو الأقرب إلى قلبها وهو يتفهمها ويدعمها ويعرف كيف يقنع والدتها، لا يظهر بيومي فؤاد في أي مشهد إلا من خلال صوته، حيث يتواصل مع الشقيقات ومع ليلى باستمرار ويعدها بالمجيء إلى القاهرة كي يقف بجانبها خصوصاً أنها قررت السفر إلى اليابان لاستكمال دراستها ولم تجرؤ على إخبار والدتها حتى الآن، فجأة تصحو ليلى على صوت والدتها تبكي وتترحم على شقيقها حسين، توفي الخال فشكّل صدمة للجميع لكنه برحيله جمع العائلة من جديد في بيتهم في الإسكندرية حيث حضروا من أجل الجنازة.
فوارق الشقيقات
الفوارق كبيرة وكثيرة بين الشقيقات، لكل منهن شخصيتها، نهى العفوية، نبيلة المتدينة المنتبهة لكل التفاصيل، ليلى القوية المتحكمة بأمور ابنتها وبميراث آل شنب وتجيد التخطيط والتفكير في المستقبل، وندى الضعيفة الشخصية التي تترك لزوجها محمد (خالد سرحان) أن يتحكم بكل الأمور وتخشى غضبه باستمرار، واللقاء الأسري هذا جمع أيضاً شريف شنب (علي الطيب) وزوجته (هبة يسري) وابنتيهما، ومن الأحفاد المراهقين هَنا (نورين أبو سعدة) وزياد (حسن مالك) اللذين يلتقيان لأول مرة ويولد بينهما إعجاب ويكاد يتطور إلى أكثر من ذلك..
تفاجأ العائلة بتصرفات أم أحمد (سلافة غانم) التي كانت تعيش في بيت آل شنب لترعى شؤون حسين، فهي تبدو أعلم من الشقيقات بتفاصيل كثيرة هناك، وأكثر ما يستفز الشقيقات الأربع أنها تلقت عزاء حسين في الجانب المقابل لهن، وقصدها الكثير من الناس لتعزيتها وحدها وكأنها هي المعنية الأولى به، فيبدأ الشك لديهن حول طبيعة علاقة أم أحمد بالراحل حسين، وخلال العزاء تكثر نميمة الشقيقات والملاحظات، وتتوالى الشخصيات التي تدخل على الخط في مشاهد قصيرة كضيوف شرف، مثل زيزي ابنة خال الشقيقات (شيرين) وخالد (محمد علاء) صديق شريف، وطارق (محمود البزاوي) جار وصديق حسين، والذي تحصل بينه وبين ليلى مواقف محرجة، وبينه وبين آل شنب مواقف مضحكة.
الكوميديا لا تغيب عن الفيلم، المؤلفان تعمدا المرور على المواقف الحزينة دون الغرق في الأحزان وإثارة مشاعر التعاطف لدى الجمهور حزناً على الفقيد حسين، بل وسط هذه الأجواء تحصل مواقف منها الكوميدي المباشر ومنها ما يكشف الاختلافات والخلافات في الأسرة ويكون مغلفاً بالسخرية أو يتحول بلحظة إلى جدل لا ينتهي أبداً بعداوة أو زعل، أسرة آل شنب تشبه كل العائلات التي تجيد تجاوز خلافاتها واختلافاتها بسرعة دون الذهاب بعيداً في توسيع الأمور لتتحول إلى أزمة، بل يلفتنا مشهد خروج الجميع ليعود كلٌ إلى بيته وعمله، حيث تتلقى نهى ضربة بالكرة عن طريق الخطأ على رأسها أثناء لعب ابنتي شريف بالكرة في الخارج، نتوقع أن تحصل أزمة بين الكبار بسبب تصرف وطيش الصغار، لكن الموقف يتحول إلى مباراة كرة قدم، الكبار والصغار يشكلون فريقين يتنافسان في الحديقة، مشهد عائلي جميل ومضحك.
نهاية مختلفة
أزمة ليلى ونيللي تتفاقم وترفض كل منهما الحديث مع الأخرى حتى قبل ساعات من سفر ليلى إلى اليابان، لنصل إلى نهاية مختلفة، تكون بداية مرحلة جديدة ومفاجئة في حياة هذه الشابة، وكما قلنا سابقاً، كل أحداث الفيلم وحتى ختامه يحتمل استكماله في جزء جديد وفيلم آخر شرط أن تتم كتابته بنفس الأسلوب، تماماً مثل «آل شنب» المكتوب برشاقة وسلاسة وخفة ظل، والإخراج جاء منسجماً معه بنفس الانسيابية والرشاقة، أما التمثيل فزاد من نجاح العمل خصوصاً بفضل الانسجام في التعاون والأداء بين النجمات لبلبة وسوسن بدر وليلى علوي وهايدي كرم وإن كانت مساحتها في الكلام والتعبير ضيقة، بجانب تميز أسماء جلال ومساحتها الكبيرة في هذا العمل، وحتى الوجوه الشابة وضيوف الشرف الذين أضافوا بصمات جميلة.