
مع التغيرات السياسية التي تشهدها سوريا هذه الأيام، يثار جدل واسع حول المرجعية الدستورية التي سيعتمدها الحكم الجديد في صياغة الإعلان الدستوري المقبل.
وسط هذا النقاش، برز دستور 1950 بوصفه نموذجاً يطرح للاستلهام منه، باعتباره واحداً من أهم الدساتير التي عرفتها البلاد، نظراً لما حمله من مبادئ وتوازن بين السلطات.
فما هو دستور 1950؟
عكس الدستور روح الاستقلال السياسي، ورسّخ مبدأ الحكم البرلماني والتعددية السياسية في ظروف شبيهة من حيث الاضطراب السياسي والفراغ الدستوري بين الأمس واليوم.
فبعد الاستقلال عن فرنسا دخلت سوريا في مرحلة من عدم الاستقرار، شهدت خلالها صراعات بين القوى السياسية حول شكل النظام الأنسب للحكم. في عام 1949.
وبعد سلسلة من الانقلابات العسكرية، عُقدت انتخابات لتشكيل الجمعية التأسيسية، التي أُوكلت إليها مهمة وضع دستور جديد للبلاد. تم تشكيل لجنة دستورية ضمت شخصيات سياسية بارزة من مختلف التيارات، وأسفرت مناقشاتها عن إصدار دستور 1950، المعروف أيضاً باسم «دستور الاستقلال الثاني»، حيث كان أول دستور يُكتب بحرية تامة بعد زوال النفوذ الاستعماري الفرنسي.
تميز دستور 1950 بعدة سمات جوهرية جعلته نموذجا متقدما في ذلك الوقت، حيث أقرّ مبادئ الحكم البرلماني، والفصل بين السلطات، وضمان الحقوق والحريات. اعتمد النظام البرلماني حيث كانت السلطة التنفيذية مسؤولة أمام البرلمان، ومنح البرلمان صلاحيات واسعة، بما في ذلك تشكيل الحكومات ومحاسبتها، وقلّص صلاحيات رئيس الجمهورية، حيث جعله منصبا شرفيا إلى حد كبير. ولذلك يرجح قانونيون ان فرص هذا الدستور غير قوية في المرحلة الحالية،رغم حديث بعض أعضاء اللجنة عن إمكانية الاستفادة منه، نظراً لأن هذه الحقبة كما هو واضح هي حقبة النظام الرئاسي الذي يحتاج إلى صلاحيات واسعة وتفادي حالة الشلل السياسي المحتملة جراء التنافس بين التيارات والأحزاب، لذلك لا يلائم دستور 1950 المرحلة الحالية التي يقودها أحمد الشرع.
رغم تقدمية الدستور، إلا أن البيئة السياسية لم تكن مستقرة بما يكفي لتطبيقه بشكل فعّال، حيث واجه عدة تحديات، أبرزها الانقلابات العسكرية، وانتهى رسمياً في عهد الوحدة بين سوريا ومصر تحت اسم «الجمهورية العربية المتحدة»، ما أدى إلى إلغاء دستور 1950 واستبداله بدستور الوحدة، حيث تم تبني النظام الرئاسي المركزي بقيادة جمال عبد الناصر