
في اكتشاف مذهل، توصل العلماء إلى أن قلب الأرض قد يحتوي على خزان هائل من الهيليوم البدائي، وهو عنصر نادر يُعتقد أنه تشكل بعد الانفجار العظيم. هذه النتائج، التي توصل إليها فريق بقيادة الفيزيائي هاروكي تاكيزاوا من جامعة طوكيو، قد تغيّر فهمنا العميق لكيمياء الأرض وعملية تكوينها.
لغز الهيليوم البدائي في أعماق الأرض
يعد الهيليوم من أخف العناصر في الكون، ويظهر على الأرض في شكل نظيرين مستقرين: الهيليوم-4، الذي يشكل الغالبية العظمى ويُنتج من تحلل اليورانيوم والثوريوم الإشعاعي، والهيليوم-3، الذي يعود أصله إلى اللحظات الأولى للكون، مع وجود كميات ضئيلة منه ناتجة عن تحلل التريتيوم (الهيدروجين-3).
لعقود، لاحظ العلماء كميات صغيرة من الهيليوم-3 تنبعث من البراكين، مما أثار فرضية وجود احتياطات من هذا العنصر في وشاح الأرض، محصورة منذ تشكل الكوكب. لكن البحث الجديد يشير إلى مصدر أعمق وأكثر إثارة للدهشة: نواة الأرض نفسها.
كيف تم التوصل إلى هذا الاكتشاف؟
للتأكد من إمكانية احتجاز الهيليوم في قلب الأرض، أجرى الباحثون تجارب تحاكي الظروف القاسية في النواة، حيث تتعرض العناصر لضغوط هائلة ودرجات حرارة مرتفعة. باستخدام خلية سندان ماسية مُسخّنة بالليزر، ضغط الفريق عينات من الحديد والهيليوم معًا تحت ظروف تصل إلى 55 جيجا باسكال (550,000 ضعف الضغط الجوي)، ودرجات حرارة تصل إلى 3000 كلفن، وفقا لموقع "ساينس أليرت".
المفاجأة كانت أن الحديد امتص الهيليوم بتركيز 3.3%، وهي نسبة تفوق التقديرات السابقة بـ5000 مرة! هذه النتائج تشير إلى أن الهيليوم ليس مجرد غاز خامد كيميائيًا كما يُعتقد عادة، بل يمكنه التفاعل مع الحديد في الظروف القصوى للنواة.
تداعيات الاكتشاف: إعادة النظر في تكوين الأرض
إذا كان الهيليوم البدائي قد احتُجز في نواة الأرض منذ تشكلها، فقد يكون هذا تفسيرًا جديدًا لكيفية وصول الهيليوم-3 إلى سطح الكوكب عبر النشاط البركاني. بالإضافة إلى ذلك، تشير الفرضيات إلى أن الهيدروجين البدائي ربما احتُجز بنفس الطريقة، مما يفتح باب التساؤلات حول دوره في تكوين مياه الأرض المبكرة.
علاوة على ذلك، إذا كانت هذه الظاهرة قد حدثت على الأرض، فمن الممكن أن يكون للقمر والمريخ خزانات مماثلة من الهيليوم البدائي في أنويتها، مما قد يؤثر على فهمنا لجيولوجيا وتاريخ هذه الأجرام السماوية.
أسئلة تحتاج إلى إجابة
لا تزال هناك العديد من الأسئلة التي تحتاج إلى إجابة، مثل مدى تأثير هذه الظاهرة على توازن العناصر في أعماق الأرض، وما إذا كان يمكن استغلال هذه المعرفة لفهم أفضل لكيفية تشكل الكواكب الأخرى. ومع تقدم التقنيات التجريبية، قد نكون على أعتاب اكتشافات جديدة تعيد تشكيل تصورنا لكيفية نشأة كوكبنا وتطوره عبر مليارات السنين.