
قدّمت النجمة اللبنانيّة هبة طوجي عرضاً فنياً موسيقيّاً عالميّاً ضمن فعاليّات مهرجانات بعلبك الدوليّة ، إذ وقفت من قلب التاريخ وفي حضن أعمدة الحضارة وحاكت الزمن بصوتها وحضورها في إستعراض مسرحيّ ضخم بعنوان "حقبات"، تحت إشراف وإدارة فنيّة للمُنتج والمؤلّف الموسيقيّ أسامة الرحباني صاحب الرؤية العامّة لهذا العمل، أعاد إحياء ذاكرة بعلبك على مرّ العصور.
في ليلة إستثنائيّة، تحوّلت معابد بعلبك إلى عالم إفتراضيّ ومسرح مفتوح على الزمن، حيث إجتمع الفن الراقي والصورة والموسيقى والتقنيّات والمؤثرات الحديثة في عمل فنيّ واحد شارك فيه أكثر من 200 شخص من تقنيّين وفنيّين وأوركسترا ضخمة وجوقة Voice Of Heaven Choir تحت إدارة جورج شعيا، أضف إلى عدد كبير من الراقصين وكوريغرافيا مُميّزة من باسكال صايغ زغيب.
تميّز هذا العرض الموسيقيّ بإستخدام تقنيّة الـ3D Mapping المُتطوّرة والحديثة التي سمحت للحضور من خوض رحلة حسيّة بصريّة عبر التاريخ والزمن من قلب الماضي إلى عمق الحاضر لتروي عبر "حقبات" ومن خلال سرد مُبتكر تاريخ مدينة بعلبك وقصّة مدينة وشعب وثقافة لا تموت إنطلاقاً من الحقبة الرومانيّة مروراً بالحقبات العربيّة والعثمانيّة والمسيحيّة وصولاً إلى العصر الحديث... وقد تمّ إستخدام كافّة أركان ومعابد بعلبك في هذا الحفل، ما أعطى المُشاهدين إحساساً بأنّ العرض إمتدّ على كامل المعابد في مشهد بصريّ غير مسبوق.
قدّمت هبة طوجي في بعلبك تجربة مسرحيّة غنائيّة مُتكاملة وجسّدت هذا العمل بحرفيّة عالميّة من خلال رؤية إخراجيّة وفنيّة جمعت بين الأداء الغنائيّ الراقي والحضور المسرحيّ الآسر والمُتميّز وغنّت مجموعة من الأغنيات من بينها "مطرح ما بودّي الصوت" من كتابة منصور الرحباني وتأليف أسامة الرحباني والتي سبق أن أدّتها في "عودة الفينيق" أوّل مسرحيّة غنائيّة شاركت فيها عام 2008 في بيبلوس وأغنية "أعطنا" المأخوذة من مسرحيّة "جبران والنبي" و"أنا إسمي بعلبك" من كتابة غدي الرحباني وتأليف أسامة الرحباني وهي أغنية تمّ تأليفها خصّيصاً لهذه المُناسبة كتحيّة لمدينة بعلبك الصامدة والعريقة وغنّتها هبة بأداء مُعبّر جداً حبس أنفاس الحاضرين وترك أثراً عميقاً في القلوب في لحظة فنيّة خاصّة حملت الكثير من الإحساس والمشاعر وهي تقف على عامود ضخم وسط ديكور مُذهل ومشهديّة ساحرة وخياليّة، أضف إلى أغنية"جايي تصلّي بفيّاتك" التي تحمل الكثير من الوجدان وتُقدّم هبة من خلالها تحيّة لأرز لبنان وتكريماً للثلاثيّ الرحبانيّ الأخوين منصور وعاصي وللسيّدة فيروز، الذين طبعوا بصمتهم الفنيّة الخاصّة في بعلبك وعلى كافّة المعابد و"Ave Maria" من كتابة Luc Plamondon وتأليف Richard Cocciante وهي أغنية من المسرحيّة الغنائيّة الفرنسيّة الشهيرة "Notre Dame De Paris" التي أدّت فيها هبة طوجي دور إسميرالدا، ولا بدّ أن نستذكر هنا اللحظة التاريخيّة التي شاركت فيها هبة طوجي في حفل إعادة إفتتاح كاتدرائيّة Notre Dame De Paris في باريس، إذ تحوّل معبد باخوس من خلال تقنيّة الـ3D Mapping خلال تقديم هذه الأغنية إلى كاتدرال ونُقل الحضور إلى ذلك المكان بمشهديّة تعكس الكثير من الروحانيّة والمشاعر والضخامة. كما غنّت هبة أغنية "النظام الجديد" التي قُدّمت بطريقة أوركستراليّة جديدة وعرض راقص ضخم على المسرح، أضف إلى الأغنية العاطفيّة "خلص" والتي أبدعت هبة في غنائها بمشاعر عميقة وإحساس عال وطاقات إستثنائيّة وأغنية "خبّرني القصة" التي تُحاكي عدّة حالات ومواقف للمرأة، بحيث أطلّت هبة من خلال هذه الأغنية في ثلاث أماكن في الوقت نفسه مع كوريغرافيا وجدانيّة من الرقص المُعاصر وأغنية "مين الّلي بيختار" الجماهيريّة والمُوجّهة للمرأة، والتي تفاعل معها الجمهور بشكل كبير جداً والأغنية الإيقاعيّة الراقصة "أوّل ما شفتو" و"لا بداية ولا نهاية" من كتابة منصور الرحباني وتأليف Michel Legrand والتي تُرجمت على المسرح ضمن مشهد خياليّ خاصّ يُجسّد إعصاراً من أوراق الشجر وسط تصفيق حارّ ووقوف من الجمهور تقديراً لأداء هبة طوجي الإستثنائيّ...
كما وجّهت هبّة طوجي تحيّة لروح الكبير منصور الرحباني وذلك لمُناسبة الإحتفال بمئويّته واختارت باقة مُميّزة من الأعمال التي حملت إسمه والقصائد التي كتبها منها ميدلي صيف ٨٤٠ وأغنيات "وحياة اللي راحوا" و"لمعت أبواق الثورة" و"وطني بيعرفني" وهي أغنية من كتابة منصور الرحباني وتأليف أسامة الرحباني من مسرحيّة "جبران والنبي" أضف إلى قصيدة "راجع من رماده" التي تحمل الكثير من الأمل وتُحاكي كلّ مغترب وهي من كتابة منصور الرحباني ... فكانت لحظات مؤثرة إستحضرت من خلالها إرثاً فنياً لا يُنسى.
هذا، وشارك هبة طوجي المسرح ضيفان مُميّزان أضافا طابعاً فنياً عالمياً للعرض وبصمة خاصة ومؤثرة وهما العازف والمؤلف والمُنتج الموسيقيّ الفرنسيّ اللبنانيّ إبراهيم معلوف زوج هبة والمُغنّي الفرنسيّ من أصل لبنانيّ Ycare حيث قدموا كتريو أغنية Les Cedres باللغة الفرنسيّة ، والتي صدرت سابقاً في ألبوم Ycare، كتحيّة للبنان ولجذورهم كونهم لبنانيّين يعيشون خارج الوطن...
وشهد الحفل مُشاركة ثانية لإبراهيم معلوف إلى جانب أسامة الرحباني في الختام، حيث قدّما معاً وصلة مُميّزة جمعت بين الدبكة والفولكلور والإرتجال الموسيقيّ على إيقاعات الطبول الشرقيّة التي أضفت نكهة خاصّة على المسرح وسط تفاعل جماهيريّ كبير.
وبلفتة خاصّة جداً وتكريماً لروح الكبير زياد الرحباني، قدّم كلّ من هبة طوجي وأسامة الرحباني وإبراهيم معلوف أغنية "بلا ولا شي" كتحيّة محبّة وإمتنان لمسيرته. وقد غنّت هبة الأغنية يُرافقها أسامة على البيانو وإبراهيم على الترومبيت وسط تفاعل من الحاضرين الذين شاركوهم الغناء بتأثّر، فيما عُرضت على الشاشة صور خاصّة ونادرة لزياد الرحباني من أرشيف العائلة الرحبانيّة، ما أضفى على اللحظة طابعاً إنسانياً وفنياً عميقاً.
"حقبات" لم يكن مُجرّد عرض فنيّ، بل تجربة ثقافيّة وتاريخيّة فريدة من نوعها تهدف إلى إحياء ذاكرة بعلبك وتسليط الضوء على غناها الحضاريّ من خلال أسلوب فنيّ يمزج بين التراث والإبتكار.
ويُعد هذا العرض الفنيّ العالميّ ضمن مهرجانات بعلبك الدوليّة ، برئاسة نايلة دو فريج والذين حرصوا على الحفاظ على إستمراريّة هذا المهرجان العريق ووقعه العالميّ ليبقى منارة ثقافيّة على خارطة المهرجانات الدوليّة، محطّة فنيّة مُختلفة وخاصّة في مسيرة هبة طوجي، بخاصّة أنّها المرّة الأولى لها في بعلبك، وإنجاز جديد يُكلّل التعاون الفنيّ المُيّيز بينها وبين أسامة الرحباني بحيث إستطاعا مرّة جديدة الإرتقاء بالفنّ اللبنانيّ إلى مستوى عالميّ مؤكدين من جديد أنّ لبنان وعلى الرغم من كلّ التحدّيات لا يزال منارة للثقافة والفنّ والإبداع.
والجدير بالذكر أنّ هذا الحفل شهد إقبالاً جماهيرياً إستثنائياً، إذ نفذت تذاكره بالكامل بعد ساعات قليلة على طرحها ، ما إستدعى تنظيم ليلة إضافيّة مساء 9 آب/ أغسطس للحفل نفذت أيضاً بطاقاته بوقت قياسيّ بتأكيد على الحماس الكبير والإهتمام الواسع الذي رافق هذا الحدث الفنيّ الضخم.
يُذكر أن هبة طوجي أطلّت في هذا الحفل بفستانيين عكسا روحيّة العرض من توقيع المُصمّم العالميّ نيكولا جبران جمعا بين الرقي والفخامة بما يليق بعراقة المكان وجماليّة الحدث. كما إختارت هبة طوجي مُجوهرات من Yvan Tufenkjian أضفت أناقة على إطلالتها وHeadpiece وأكسسوارات من Aura Headpieces.
تجدر الإشارة إلى أنّ الـMusic Production في هذا الحفل هي لأسامة الرحباني وAssistant Production جورج مرعب وأليكس ميساكيان والحفل من إنتاج Baalbeck Festival وأسامة الرحباني وهبة طوجي، وقد آمن بهذا العمل نخبة من الرعاة الرسميّين وهم
Ici Beirut-This Is Beirut
و CMA CGM ومؤسسة ليان الثقافية. والجدير بالذكر أيضاً إميل عضيمي الذي شارك أسامة الرحباني في تنفيذ الفكرة الفنيّة للعمل حيث تولّى تنفيذ الرؤية الإبداعيّة ببراعة وحرفيّة عالية تضاهي المعايير العالميّة من خلال تقنية الـ3D Mapping التي لعبت دوراً أساسياً في خلق تجربة بصريّة مُميّزة أضافت بُعداً جديداً للمكان وسمحت الجمهور بعيش العمل بكلّ حواسه أضف إلى جيلبير حدّاد Proline الذي نفّذ فكرة العمل وصمّم المسرح وأمّن كلّ المُستلزمات العالميّة والإضاءة لشركة روجيه باخوس ومدير إضاءة جو سعد وهندسة صوت شادي سعد ومعدّات فداء زلّوم.