
لم تكد تبلغ السادسة من العمر حتى توفيت والدتها، تاركة لها مسؤولية رعاية أبيها المصاب بالعمى والشلل، وبقية أفراد أسرتها، لتعيش طفولة شديدة القسوة حين قررت تولي مهنة أبيها في رعي وتجارة الأغنام، ثم العمل في أحد المصانع نظير دولار واحد يومياً، لتتلقى وهي في سن الخامسة والأربعين مكافأة صبرها وجهدها؛ حين صارت تشو كونفي أغنى امرأة عصامية في بلدها الصين بثروة صافية قُدرت بـ14.5 مليار دولار.
وُلدت تشو سنة 1970 بمدينة شيانج التابعة لمقاطعة هونان في الصين، ورغم ضربة القدر لها وهي في السادسة من العمر، بفقد والديها بالموت والعجز، ظلت حريصة على متابعة دراستها، لكن في سن السادسة عشرة اضطرت إلى ترك الدراسة والبحث عن عمل غير رعي الأغنام، وبالفعل التحقت بعمل بسيط في مصنع للعدسات مقابل 30 دولاراً شهرياً؛ أي بدولار واحد فقط كل يوم.
بذرة النجاح
لم يخطر ببال تشو أن يكون عملها في صناعة العدسات هو بداية رحلة الكفاح والثراء، حيث ادخرت جزءاً من راتبها المتواضع جداً، حتى توافر لديها رأس مال صغير، لكنها كانت قد كسبت خبرة كبيرة مكنتها من تأسيس مشروعها الشخصي الأول في مجال الشاشات والعدسات، وعندما كانت على مشارف الثالثة والعشرين من عمرها حصلت على أول عقد شراكة بارز مع شركة موتورولا الشهيرة المتخصصة في الهواتف الجوالة، حيث تولى مصنعها تصنيع زجاج الهواتف المقاوم للخدوش، لتتوالى بعد ذلك العروض والصفقات مع شركات أخرى كبيرة؛ نظراً لجودة منتجاتها، وكفاءة العمال، والأمانة التي حرصت على أن تكون هي السمة الأساسية في عملها، ولذلك لم يكن غريباً أن تبني إمبراطورية اقتصادية عملاقة قوامها 32 مصنعاً وأكثر من 90 ألف موظف وعامل، وتتصدر في عام 2015 قائمة أغنى نساء الصين، بثروة وصلت إلى 14.5 مليار دولار، وصار اسم شركة «Lens Technology» في صناعة شاشات اللمس الأشهر في هذا المجال.
الحياة القاسية
تروي تشو عن طفولتها البائسة أنها كانت أصغر ثلاثة أطفال في عائلتها الفقيرة، وقبل ولادتها أصيب أبوها، وهو جندي سابق، بالعمى الجزئي وفقد إصبعه في حادث بعمله في الستينيات. كان حرفياً ماهراً، إذ كان يصنع لأسرته ما يحتاجون إليه من سلال وكراسي من الخيزران ويصلح دراجاتهم. وعلى الرغم من أن تشو كانت الوحيدة من بين أشقائها التي التحقت بالمدرسة الثانوية وكانت طالبة متفوقة، فقد تركت الدراسة وانتقلت للعيش مع عائلة عمها لتصبح «عاملة مهاجرة» في منطقة شنتشن، واختارت العمل في شركات قريبة من جامعتها، لتتمكن من الالتحاق بدورات دراسية بدوام جزئي، وحصلت على شهادات في المحاسبة، والحاسوب، والتخليص الجمركي، إضافة إلى رخصة قيادة المركبات التجارية، واضطرتها الظروف القاسية إلى التخلي عن حلمها بأن تصبح مصممة أزياء، والعمل في شركة عائلية صغيرة لقطع غيار الساعات، ولكنها استاءت من ظروف العمل فقررت تركه بعد ثلاثة أشهر، وقدمت خطاب استقالة، لكن صاحب المصنع عرض عليها ترقية، فبقيت في عملها إلى أن أغلق المصنع بعد فترة قصيرة.
شركات عملاقة
أسست شركتها الخاصة وهي في سن 22، بما ادخرته من المال، وكان 3000 دولار فقط. وبالتعاون مع ابن عمها وشقيقها وشقيقتها وزوجيهما بدأ العمل في شقة مكونة من ثلاث غرف للعمل نهاراً والنوم فيها ليلاً؛ ما مكن تشو من المشاركة بنفسها في جميع مراحل الإنتاج، ومنها الإصلاحات وإنشاء تصميمات محسنة لآلات المصنع. وفي عام 2001 كانت قفزتها الكبيرة عندما تعاقدت على صنع شاشات الهواتف المحمولة لشركة الإلكترونيات الصينية العملاقة TCL Corporation وبعد أقل من عامين تلقت طلباً من «موتورولا» لتطوير شاشات زجاجية لهواتفها بدلاً من شاشات العرض البلاستيكية، ثم أسست شركتها Lens Technology لتصنيع شاشات اللمس، وانهالت عليها طلبات من شركات الهواتف المحمولة الأخرى مثل HTC نوكيا وسامسونج، ثم أنتجت شاشات اللمس لهواتف أيفون. وفي عام 2007 كانت «لينز» هي الشركة المهيمنة في هذا المجال، وبأيدي أكثر من 90 ألف عامل تنتج أكثر من مليار شاشة زجاجية في 32 فرعاً تتوزع في أنحاء البلاد.
رحلة مع المليارات
بعد أن طرحت تشو شركتها للاكتتاب العام الأولي عام 2015 ارتفعت القيمة الصافية لثروتها (7.2 مليارات دولار) لتتمكن من إقصاء تشين لي هوا عن عرش «أغنى امرأة في الصين»، وتصبح من أغنى النساء في قطاع التكنولوجيا، كما انضمت إلى قائمة فوربس في المرتبة 61 في قائمة النساء الأكثر نفوذاً لعام 2016، والمرتبة 205 في قائمة المليارديرات والمرتبة 9 من بين مليارديرات هونج كونج. وصنفتها أيضاً مجلة فورتشن في المرتبة 18 في قائمة أقوى نساء آسيا والمحيط الهادئ، وصنفتها بلومبرغ في المرتبة 211 من بين مليارديرات العالم للعام نفسه، واليوم تعدت ثروتها 14 مليار دولار.