همزة وصل -
تستعد العاصمة المغربية الرباط لاحتضان حدث ثقافي استثنائي يحمل عنوان "مهرجان أقدم قفطان في المغرب”، الذي تنظمه الجمعية المغربية للثقافة والتراث بدعم من وزارة الشباب والثقافة والتواصل، وذلك يوم 15 دجنبر بالموقع الأثري شالة، أحد أبرز المعالم التي تختزن ذاكرة المغرب العريقة. يندرج هذا المهرجان ضمن الجهود الرامية إلى صون التراث اللامادي الوطني وإبراز المكانة الرمزية للقفطان المغربي باعتباره أحد أعرق مظاهر الهوية الجمالية للمملكة، ورافدا من روافد ذاكرتها الثقافية المتوارثة.

لا يقتصر هذا الحدث على عرض الأزياء فحسب، بل يتجاوز ذلك ليشكل لقاء بين الماضي والحاضر، بين الحرفة والإبداع، حيث يقدم المهرجان مجموعة من القفاطين النادرة التي يعود تاريخ بعضها إلى أكثر من قرن من الزمن، لتروي قصصا عن المغرب في مراحله التاريخية المختلفة، وعن مهارة الصناع التقليديين الذين صاغوا بأيديهم لوحات من الخيوط والألوان والرموز. القفطان في هذا السياق ليس مجرد لباس نسوي فاخر، بل هو سجل فني يوثق تطور الذوق المغربي، ويعكس روح الحضارة التي وسمت المجتمع المغربي عبر العصور.

ويفتتح المهرجان بماستر كلاس ثقافي صباحي وذلك بمقر الإيسيسكو، يجمع هذا المهرجان باحثين ومبدعين في مجالات التراث الملبوس والفنون التقليدية، يقدمون خلاله قراءات في التاريخ الجمالي للقفطان المغربي وتحولاته عبر الزمن. كما سيتناول النقاش الدور الرمزي والاجتماعي لهذا الزي في تشكيل الوعي الجماعي للمغاربة، وكيف أصبح القفطان سفيرا صامتا للثقافة المغربية في المحافل الدولية، ووجها من وجوه القوة الناعمة للمملكة، لما يجسده من توازن بين الأصالة والحداثة، والبساطة والترف.

وفي المساء، تتحول أنقاض شالة إلى منصة فنية مفتوحة تلتقي فيها الذاكرة بالإبداع، حيث ستعرض نماذج من القفاطين القديمة لمصممين مغاربة استلهموا أعمالهم من التراث المغربي الأصيل. ويشكل هذا العرض التوثيقي، الذي يمزج بين الفن البصري والفرجة الحية، احتفاء بجماليات القفطان من منظور معاصر يكرم الموروث دون أن يقيده، ويفتح أمامه آفاقا جديدة للابتكار والتجديد.

ويختتم المهرجان بحفل لتوزيع جوائز "أقدم قفطان مغربي”، التي خصصت لتكريم الحرفيين والعائلات والمبدعين الذين ساهموا في الحفاظ على هذا التراث عبر الأجيال، اعترافا بجهودهم في صون الذاكرة الملبوسة للمغرب، واستمرارية الحرفة التي ظلت شاهدة على مهارة الصناع المغاربة ودقتهم الفنية. ومن المرتقب أن يشهد الحدث حضور وزير الشباب والثقافة والتواصل، إلى جانب شخصيات بارزة من عالم الفن والثقافة والإعلام والدبلوماسية، مما يمنح المهرجان بعدا احتفاليا يجمع بين الرمزية التاريخية والإشعاع الثقافي.

وتؤكد الجمعية المغربية للثقافة والتراث أن تنظيم هذا الحدث يأتي في إطار رؤيتها الهادفة إلى إعادة الاعتبار للقفطان المغربي كجزء من الذاكرة الوطنية الحية، وتثمين الموروث الثقافي الذي نسجته الأيادي المغربية عبر العصور. كما يندرج ضمن توجه وطني يسعى إلى إبراز الغنى الثقافي للمغرب وتنوعه الجهوي، باعتبار القفطان تعبيرا عن وحدة الذوق المغربي رغم اختلاف مكوناته وتنوع مدارسه الجمالية.

اختيار موقع شالة لاحتضان هذا المهرجان يحمل رمزية عميقة، فبين جدرانه العتيقة تنبض روح التاريخ التي تحتضن الأناقة المغربية الخالدة، ليصبح المكان ذاته شاهدا على استمرارية الإبداع المغربي في صيغته الأكثر نبلا ورقيا. ومن المتوقع أن يحظى الحدث بتغطية إعلامية وطنية ودولية واسعة، حيث سيتحول فضاء شالة إلى مسرح مفتوح للاحتفاء بالقفطان المغربي كإرث خالد يتجاوز حدود الموضة ليعانق جوهر الهوية، في مشهد يحتفي بالمرأة المغربية وبالذوق الذي لا يطويه الزمن.



