
الزيارة الأولى لوزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إلى آسيا تكثفت فيها لقاءاته في ماليزيا، حيث عقد اجتماعات مع وزراء خارجية دول رابطة جنوب شرقي آسيا (الآسيان) العشر، وحضر اجتماعات المنتدى الإقليمي للآسيان، والمعني بالقضايا الأمنية، ويضم في عضويته دولاً كثيرة ليست أعضاء في الرابطة، ومنها الصين وروسيا، والكوريتان، وكذلك اجتماعات وزراء خارجية قمة شرقي آسيا. وقد نال اجتماعه بوزيري الخارجية الروسي والصيني اهتماماً خاصاً بحكم القضايا الكثيرة العالقة بين بلاده وكل من موسكو وبكين.
الوزير الأمريكي كان واضحاً في تأكيد استمرار اهتمام إدارة الرئيس دونالد ترامب الثانية بالمنطقة، حيث قال نصاً: «إن منطقة المحيطين الهندي والهادئ لا تزال محوراً أساسياً في السياسة الخارجية للولايات المتحدة». لم يكتف روبيو بتأكيد محورية المنطقة في سياسة بلاده الخارجية فقط، بل إنه عمد إلى نفي كل ما يقال بخصوص إمكانية انشغالها في مناطق أخرى على حساب المنطقة: «عندما أسمع في الأخبار أن الولايات المتحدة أو العالم قد ينشغلان بأحداث في أجزاء أخرى من العالم، أقول إن هذا الانشغال مستحيل»، وقد برر استمرار هذا الاهتمام بأنه نابع من أن «قصة الخمسين عاماً المقبلة ستُكتب إلى حد كبير هنا في هذه المنطقة، في هذا الجزء من العالم»، ليس هذا فحسب، بل إنه أشار إلى أن الأمر مرتبط بالقرن الحالي والمقبل.
هذا النهج الأمريكي ليس بالجديد، ومن ثم فإنه يعبر عن جوهر المصالح الاستراتيجية، والتي لا تتغير بتعاقب الإدارات، والتي قد تختلف الأدوات الموظفة لتحقيقها. كما هو معلوم، فإن المنطقة تضم حلفاء لواشنطن، وشركاء، كما أنها تضم منافسين ومناوئين. وإذا كان ترامب قد رفع العصا الغليظة في وجه الجميع على الأقل في الملف التجاري، إلا أنه لم يواجه ندية حقيقية إلا من دول قليلة على رأسها الصين. وما بين بكين وواشنطن أوسع بكثير من التجارة، فالأمر يتعلق بصراع المكانة، ليس فقط في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، والتي ما زالت الصين تصرّ على تسميتها آسيا والمحيط الهادئ.
وقد لوحظ أن كلاً من بكين وواشنطن قد خلصا إلى خطاب هادئ فيما يتعلق بلقاء وزيري الخارجية في ماليزيا، حيث وصفته الخارجية الأمريكية بأنه تضمن نقاشاً «بناء وعملياً»، وزادت الخارجية الصينية على هذين الوصفين أنه كان «إيجابياً».
لم يغب عن الزيارة مد الجسور لتعاون أوثق في مجالات استراتيجية من قبيل الطاقة النووية، وقد تم التوقيع على مذكرة تفاهم مع ماليزيا بخصوص «التعاون الاستراتيجي في المجال النووي المدني».
بينما كان روبيو ينخرط في مناقشاته في كوالالمبور، كانت المناورات الثلاثية بين بلاده وحليفيها كوريا الجنوبية واليابان تجري وبمشاركة قاذفات استراتيجية بي 52 في أول نشر لها في شبه الجزيرة هذا العام. مثل هذه المناورات متواصلة رغم كل ما يقال من خلافات بين واشنطن وحلفائها من ناحية، ورغم كل الانتقادات التي توجه إليها من مناوئيها في المنطقة.