
هل الذكاء الاصطناعي ثورة أم فقاعة عالمية؟ سؤال ملح يحمل في طياته العديد من الغموض والتساؤلات المثيرة للشكوك والريبة، حول مصداقية من يشاركون اليوم في أكبر نقاش اقتصادي وتكنولوجي في العالم، خاصة بعد الخسائر الكبيرة والصدمة الموجعة التي تلقتها أسواق المال العالمية وأسهم شركات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي التي خسرت أكثر من تريليون دولار في لمح البصر.
تشاؤم سام ألتمان
وكان أول من بادر مخوفاً من فقاعة الذكاء الاصطناعي سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، في تصريحات أثارت عاصفة من ردود الأفعال العنيفة والمثيرة للجدل، لتنقسم بين مشكك ومؤيد لها، في الأوساط التكنولوجية والمالية.
وكان سام ألتمان قد دق ناقوس الخطر، محذراً من أن فقاعة الذكاء الاصطناعي قد تكون في طريقها للتضخم بشكل خطر، مشيراً -بحسب فوربس- إلى أن تقييمات بعض شركات الذكاء الاصطناعي أصبحت مبالغاً فيها بشكل كبير.
تريليونات الدولارات
تأتي هذه التحذيرات في ظل نمو هائل وارتفاع غير مسبوق في قيمة الشركات العاملة في هذا القطاع. فبعد أن كانت التقييمات تصل إلى المليارات، أصبحت الآن تقدر بتريليونات الدولارات، وهو ما يثير تساؤلات حول استدامة هذا النمو، ويستند قلق ألتمان إلى عوامل عدة بحكم تجربته الكبيرة في أسواق وتعاملات الذكاء الاصطناعي، منها التقييمات الخيالية، حيث يرى ألتمان أن بعض الشركات الناشئة تحصل على تمويل ضخم، وتصل إلى تقييمات عالية جداً دون أن يكون لديها نموذج عمل مستدام أو إيرادات حقيقية تبرر هذه القيمة.
خيبة أمل
ويعتقد الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI أن التوقعات مفرطة لدى المستثمرين والمطورين بشأن قدرات الذكاء الاصطناعي على المدى القصير، ما قد يؤدي إلى خيبة أمل عندما لا تتحقق هذه التوقعات بالسرعة المأمولة، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف الحوسبة، حيث تشير بعض المصادر إلى أن تكاليف الحوسبة المطلوبة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الضخمة تتزايد باستمرار، ما قد يضع ضغطاً على الشركات التي لا تمتلك رؤوس أموال ضخمة.
ثورة حقيقية
يؤمن المدافعون عن هذه الفكرة بأن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد «موضة»، بل هو تحول جوهري سيغير كل شيء نعرفه. وتستند هذه الحجج إلى: تطبيقات عملية وملموسة، على عكس فقاعة الإنترنت في التسعينات التي كانت شركاتها تعتمد على وعود مستقبلية، فإن الذكاء الاصطناعي لديه بالفعل تطبيقات عملية. من أدوات تحليل البيانات في الطب والمالية إلى السيارات ذاتية القيادة والمساعدات الرقمية، أثبتت التكنولوجيا قيمتها وأحدثت تحسينات حقيقية في الإنتاجية والكفاءة.
استثمارات ضخمة ومبررة
ومن الدفوعات التي تبرر بأن الذكاء الاصطناعي ثورة وليس فقاعة، استثمار شركات عملاقة مثل غوغل ومايكروسوفت وأمازون وإنفيديا مئات المليارات من الدولارات في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي (مراكز البيانات، الرقائق، الخوارزميات). هذه الاستثمارات ليست مجرد مضاربة، بل هي استجابة لطلب حقيقي ومتزايد من الشركات والأفراد.
فضلاً على سرعة التطور غير المسبوقة لقدرات نماذج الذكاء الاصطناعي بمعدل مذهل. ما كان يستغرق شهوراً لتحقيقه عام 2024 أصبح يتم الآن في غضون أسابيع، ما يشير إلى أننا لا نزال في المراحل الأولى من ثورة تقنية ضخمة.
ثورة مع أخطار استثمارية
وهناك بعض الآراء التي تقف في المنطقة الوسطى من النقاشات الدائرة حول مستقبل الذكاء الاصطناعي وشركات التكنولوجيا، وهي ترى الذكاء الاصطناعي ثورة تقنية حقيقية لا جدال فيها. ستقوم بتغيير الصناعات، وتوليد وظائف جديدة، ورفع الإنتاجية العالمية، لكن في الوقت نفسه، قد تشكل المضاربات الحالية -في سوق الشركات الناشئة المبالغ في تقييمها- فقاعة صغيرة داخل هذه الثورة الكبرى. عندما تنفجر هذه الفقاعة (كما حدث مع «فقاعة الدوت كوم»)، ستنهار بعض الشركات التي ليس لديها أساسات قوية، في حين ستستمر الشركات التي تقدم قيمة حقيقية في النمو والازدهار، بحسب CNBC.
خسائر شركات التكنولوجيا
ومن الأسباب التي أثارت المخاوف في الأسواق وزادت من حدة النقاشات أن الذكاء الاصطناعي بات فقاعة عالمية، لكن للأسباب نفسها يرى فيه البعض ثورة تصحيح في مواجهة المضاربات التي أدت إلى خسائر كبريات شركات التكنولوجيا في البورصات العالمية، حيث خسرت إنفيديا 200 مليار دولار من قيمتها السوقية في ثلاث جلسات فقط، وفقدت شركة مايكروسوفت 102 مليار دولار، كما خسرت بلانتير 50 مليار دولار في ثلاث جلسات، لتبلغ خسائر 9 شركات عالمية تعمل في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا أكثر من 600 مليار دولار، وهو ما يؤكد نظرية «الطرف الثالث» بأن المضاربات الحالية في سوق شركات التكنولوجيا المبالغ في تقييمها قد تشكل فقاعة صغيرة داخل هذه الثورة العالمية.