
كشفت قطعة نادرة من كويكب ريوجو عن شيء لم يره العلماء من قبل - وهو معدن غامض غير موجود على الأرض.
والقطعة المجهرية أُعيدت إلى الأرض بواسطة مهمة هايابوسا 2 اليابانية، وهي عبارة عن معدن بلوري لم يسبق للعلماء رصده على كوكبنا، هذا الاكتشاف، الذي نُشر في مجلة جيوساينسز (أبريل 2025) ، قد يُعيد صياغة فهمنا للعناصر الأساسية التي ربما أشعلت شرارة الحياة على الأرض، وكلها تأتي من أقل من عشرة مليغرامات من المادة.
في عام 2020، نجحت مركبة هايابوسا 2 الفضائية في إعادة 5.4 غرامات فقط من مادة ريوجو إلى الأرض، قد لا يبدو هذا الرقم كبيرًا، لكن هذه الغرامات القليلة تُعدّ من بين أكثر المواد نقاءً كيميائيًا التي دُرست على الإطلاق - لم تمسها القوى الشديدة التي شكلت الأرض.
تسلط حبتان من تلك الكمية، واحدة من سطح ريوجو والأخرى من باطنه، ضوءاً جديداً على النظام الشمسي المبكر وأنواع الكيمياء التي كانت موجودة قبل نشأة كوكبنا بوقت طويل.
خضعت هذه الحبيبات لتصوير بالأشعة السينية عالي الدقة كجزء من الدراسة، ثم توسع فيها مختبر بروكهافن الوطني (BNL) .
استخدم الفريق تقنيات تصوير متقدمة لتحليل التركيب الخارجي والداخلي للحبيبات، مما سمح لهم بقياس تركيبها الكيميائي دون الإضرار بالعينات النادرة.
لم يسبق رؤيته على الأرض
كشفت فحوصات الأشعة السينية عن مزيج معقد من السيلينيوم والمنغنيز والحديد والكبريت والفوسفور والسيليكون والكالسيوم - وهي جميعها مكونات ذات أهمية جيولوجية وبيولوجية محتملة، لكن الاكتشاف الأبرز كان الفوسفور، الذي عُثر عليه في شكلين مختلفين، أحدهما مشابه للمعدن الموجود في عظام وأسنان الإنسان، وهو أمر جدير بالملاحظة بالفعل. أما الشكل الثاني؟ فهو شيء غير متوقع، فقد اكتشف الفريق معدن فوسفيد نادراً، وهو أمرٌ غائبٌ تماماً عن جيولوجيا الأرض الطبيعية.
وفي وقتٍ لاحق من عام 2024، أدى فحصٌ أعمق إلى تحديد فوسفات الأمونيوم المغنيسيوم المائي، والمعروف اختصارًا باسم HAMP، يتشابه هذا المركب المُكتشف حديثًا في بنيته مع الستروفيت، وهو معدنٌ يتشكل في الأنظمة البيولوجية على الأرض.
روابط لأصل الحياة؟
وفقاً لعالم الأحياء الفلكية ماثيو باسيك، الذي علق على الاكتشاف في مجلة Nature Astronomy ، "إن العثور على حبيبات HAMP في عينات ريوجو لا يزال يُبرز الدور المحتمل للمادة خارج الأرض في نشأة الحياة على الأرض" وهو ما يشير إلى أن الجذور الكيميائية للحياة ربما لم تبدأ هنا على الإطلاق، بل انتقلت من الفضاء .
وهذه ليست المرة الأولى التي يُخمّن فيها العلماء هذا الأمر، ينتمي ريوجو إلى فئة من الكويكبات الغنية بالكربون، والتي تُعتبر غالبًا كبسولات زمنية كيميائية، وقد ظلت ثابتة نسبيًا منذ بدايات النظام الشمسي، مما يعني أن معادنها ومركباتها العضوية قد تعكس المكونات الخام للحياة كما كانت موجودة قبل أكثر من 4.5 مليارات سنة.
تفسير لغز النشأة
رغم ضآلة الكمية إلا أن العينة الضئيلة كان بها معادن جديدة ، وكيمياء معقدة، وجزءًا محتملًا من اللغز الذي يفسر كيف بدأت الحياة على الأرض، لأن الأرض مرت بمليارات السنين من التكتونيات والتآكل والتحول، فقد مُحيت معظم سجلاتها الجيوكيميائية المبكرة، لكن هذا الكويكب العائم في الفضاء لم يُمس، واحتفظ بسجل لظروف سبقت كوكبنا، كل ذرة في تلك الحبيبات هي كنز من زمن لم يكن للأرض فيه محيطات أو غلاف جوي أو حتى سطح صلب.