المتقاعدون العسكريون بيوت خبرة مهمشه وتصحيح المسار لم يعد خيارا !!!

{title}
الدكتور بسام روبين
همزة وصل   -
لقد بات واضحا، ودون مواربة، أن إدارة الدولة لا تقاس بحسن النوايا ولا بكثرة الوعود، بل بقدرتها على إتخاذ قرارات رشيدة في الوقت المناسب، والإستفادة من الكفاءات الوطنية الحقيقية ، غير أن واقع الإدارة العامة خلال السنوات الماضية كشف عن إختلالات عميقة في الرؤية والنهج، حيث تكررت السياسات ذاتها، وتبدلت الوجوه، وبقي الفشل يدور في الحلقة نفسها، فيما تتفاقم الأزمات الإقتصادية والإجتماعية.
وفي هذا السياق، لا يمكن القفز عن حقيقة راسخة مفادها أن المتقاعدين العسكريين الأردنيين يشكلون أحد أكبر بيوت الخبرة الوطنية غير المستثمرة ، فهم نتاج مؤسسات قائمة على الإنضباط، والتخطيط، وإدارة المخاطر، وإتخاذ القرار تحت الضغط، ومع ذلك جرى إقصاؤهم عن مواقع التأثير وصناعة القرار، في وقت أسندت فيه مسؤوليات جسيمة إلى إدارات مدنية لم تنجح في تحقيق الحد الأدنى من الكفاءة أو العدالة.
ومن غير المقبول وطنيا ولا أخلاقيا أن يترك الوطن يواجه أزماته المتراكمة، بينما يطلب من المتقاعد العسكري أن يتحمل أعباء الغلاء والتضخم وتآكل دخله بصمت، دون أن يمنح الفرصة لتقديم خبرته التي راكمها خلال عقود من الخدمة ، فهذه الخبرة لم تبن على الورق، بل في الميادين، وفي إدارة الرجال والموارد، وحماية الإستقرار في أحلك الظروف.
واليوم، ومع تصاعد كلفة المعيشة، وإزدياد الضرائب، وتراجع القدرة الشرائية، وتآكل الطبقة الوسطى، يبرز سؤال مشروع لا يمكن تجاهله
لماذا تستمر الدولة في تجاهل رأس مالها البشري الأكثر إنضباطا وكفاءة، وتصر في المقابل على إعادة تدوير ذات السياسات والنهوج التي أثبتت فشلها؟
 فالمتقاعد العسكري ليس عبئا على الخزينة، بل قيمة وطنية مضافة، ومعيارا حقيقيا للعدالة والإلتزام ، وإستمرار تهميشه لا يمثل ظلما لفئة قدمت عمرها في خدمة الوطن فحسب، بل يشكل أيضا إستنزافا خطيرا لقدرة الدولة على النهوض والإصلاح ، فالصبر الذي طالما إلتزم به المتقاعدون العسكريون وبدافع الإنتماء والمسؤولية الوطنية لا ينبغي إختبارهم إلى ما لا نهاية.
فقد آن الأوان لإعادة تعريف دور المتقاعدين العسكريين تعريفا جادا ومسؤولا، لا يقتصر على تحسين أوضاعهم المعيشية  وهي حق لا منة  بل يمتد إلى إشراكهم الفعلي والمنهجي في إدارة الشأن العام، وصياغة السياسات، وقيادة مشاريع إصلاح حقيقية، بعيدا عن منطق المحاصصة وتدوير الفشل.
وإن إستمرار تجاهل هذه الشريحة الوطنية، أو التعامل معها بإعتبارها عبئا يجب إحتواؤه لا طاقة يجب إستثمارها، فقد يقود هذا إلى حالة من الإحتقان المشروع، ويضع الدولة أمام تساؤلات سياسية وأخلاقية لا تخدم الإستقرار ولا الثقة العامة ، فالدولة القوية هي التي تنصف من خدمها، وتستثمر خبراته، ولا تقصيه لصالح من لم ينجحوا في أداء مهامهم.
إننا لا نطالب بإمتيازات، ولا ندعو إلى إقصاء أحد، بل نطالب بمنطق الدولة العادلة التي تختار الأكفأ، وتصحح أخطاءها بشجاعة، وتؤمن بأن خبرة المتقاعدين العسكريين ليست خيارا ثانويا، بل باتت ضرورة وطنية ملحة في هذه المرحلة الدقيقة.
وقد آن للحكومة أن تثبت، بالفعل لا بالقول، بأن العدالة نهج عمل لا شعار، وأن إحترام من خدم الوطن هو ركيزة من ركائز الإستقرار السياسي والإجتماعي، وأن إنقاذ الأردن يبدأ من إستثمار أبنائه الأقدر على حمايته وبنائه.
 
حفظ الله الأردن 

العميد المتقاعد
رئيس ملتقى رفاق السلاح 
الدكتور بسام روبين
© جميع الحقوق محفوظة لهمزة وصل 2024
تصميم و تطوير