العملات المشفرة.. تقلبات في 2025 ومستقبل غامض

{title}
همزة وصل   -
ما بين سلسلة ارتفاعات قياسية وعمليات بيع مكثفة كان عام 2025 بمثابة رحلة سريعة التقلب بالنسبة لعملة البيتكوين، أكبر عملة مشفرة في العالم، والتي تواجه خطر إنهاء العام بأول انخفاض سنوي لها منذ عام 2022، رغم أن العام الجاري شهد أعلى سعر سجلته على الاطلاق. وبذلك تكون هذه العملة المشفرة قد تحركت في اتجاهات يمكن القول إنها معاكسة لبعضها بعضاً، ما يجعل التنبؤ بمسارها المستقبلي يكتنفه شيء من الغموض.

وحتى 24 ديسمبر ظل سوق العملات المشفرة تحت الضغط، وسط انخفاض بنسبة 1.1% في إجمالي القيمة السوقية إلى 3.02 تريليون دولار، على الرغم من حجم التداول على مدار 24 ساعة والذي بلغ 98.49 مليار دولار.

ومع ذلك، وعلى الرغم من الخسائر الهائلة التي شهدتها العملات المشفرة في جميع مناطق السوق، إلا أن القيمة السوقية للبيتكوين بلغت ما يقرب من 1.73 تريليون دولار، مما حفظ لها هيمنتها.

يرى خبراء مجال العملات المشفرة بأن ذروة سعر البيتكوين القياسية البالغة 126 ألف دولار في أكتوبر الماضي ما هي إلا ارتفاع بمستوى 100 ألف دولار فقط عند قياسه مقابل التضخم. وذلك يعني أن الرقم القياسي التاريخي للبيتكوين لم يتجاوز 100 ألف دولار.

وتحديداً يقول الخبراء إن أعلى مستوى تاريخي للبيتكوين في أكتوبر، والذي بلغ ستة أرقام، يُعادل 99,848 دولاراً فقط للعملة الواحدة عند تعديله وفقاً للتضخم باستخدام قيمة الدولار لعام 2020.

وبحسب تقييمهم فإن الذروة المعدلة حسب التضخم تعزى إلى التآكل المطّرد للقوة الشرائية للدولار كما هو موضح في قراءات مؤشر أسعار المستهلك منذ اقتصاد جائحة 2020.

ويقيس هذا المؤشر التضخم من خلال رصد التغيرات في تكلفة سلة من السلع والخدمات، تشمل الغذاء والطاقة والسكن والرعاية الصحية. ويُعدّ هذا المؤشر من قبل مكتب إحصاءات العمل الأمريكي، ويستخدمه الاحتياطي الفيدرالي لإجراء تغييرات في السياسات، كما يستخدمه المستثمرون لخفض أو زيادة القدرة الشرائية وكلف المعيشة.

وبحسب مكتب إحصاءات العمل ارتفع مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 2.7% خلال الاثني عشر شهراً المنتهية في نوفمبر المنصرم، وهو أدنى معدل تضخم سنوي منذ يوليو. كما جاء هذا الارتفاع أقل من التوقعات التي بلغت 3.1%، وأقل أيضاً من معدل 3% الذي أعلنه المكتب في سبتمبر.

ارتباط سوقي
تعزّز ارتباط البيتكوين بأسعار الأسهم بشكل ملحوظ هذا العام، حيث كان تفاعل العملات الرقمية مع أسواق الأسهم الأوسع نطاقاً سمةً بارزةً في عام 2025. ونبعت تقلبات البيتكوين بشكل كبير من معنويات سوق الأسهم، حيث اندفع المستثمرون التقليديون من الأفراد والمؤسسات إلى العملات المشفرة، والتي قد تكون في العام المقبل أكثر ارتباطاً بالعوامل التي تحرك الأسهم وغيرها من الأصول الخطرة، مثل تحولات السياسة النقدية والتوتر بشأن التقييمات المرتفعة للأسهم المتعلقة بالذكاء الاصطناعي.

وكانت مؤشرات الأسهم الرئيسية في العالم قد شهدت عاماً مضطرباً، حيث سجلت مستويات قياسية متكررة ثم تراجعت مع تقلبات الأسواق نتيجة المخاوف بشأن الرسوم الجمركية وأسعار الفائدة واحتمالية فقاعة الذكاء الاصطناعي.

عقب ارتفاع البيتكوين الكبير في وقت سابق من هذا العام مع انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، المعروف بدعمه للعملات الرقمية، تراجعت العملات عموماً، إلى جانب الأسهم، بشكل حاد في إبريل/نيسان عقب إعلان الرئيس فرض تعريفات جمركية، لكنها سرعان ما تعافت. ووصل سعر البيتكوين إلى أعلى مستوى له على الإطلاق متجاوزاً 126 ألف دولار في أوائل أكتوبر/تشرين الأول.

وهو ما أدى إلى تصفية مراكز سوق العملات الرقمية ذات الرافعة المالية بأكثر من 19 مليار دولار، وهي أكبر عملية تصفية في تاريخ العملات الرقمية. ومنذ ذلك الحين، وتكافح البيتكوين لاستعادة عافيتها، وشهد في نوفمبر/تشرين الثاني أكبر انخفاض شهري لها منذ منتصف عام 2021.

وأبرزت الانخفاضات الحادة في إبريل وأكتوبر الارتباط المتزايد بين البيتكوين والأسهم، وخاصة أسهم الذكاء الاصطناعي، التي تتشارك في سمات مماثلة وتأثرت بمخاوف من أن تقييماتها مبالغ فيها. وتاريخياً لم تتحرك أسعار البيتكوين والأسهم بشكل متزامن لأن العملات الرقمية كانت تُعتبر استثماراً بديلاً. وبحسب ما نشهده فإن مع اتساع نطاق تبني العملات المشفرة من قبل المستثمرين الأفراد التقليديين وبعض المؤسسات، يبدو أن العلاقة بينهما تتعزز.

وقد أصبحت العملات المشفرة حساسة بشكل خاص لتحركات أسهم الذكاء الاصطناعي، ويعود ذلك جزئياً إلى كون أسهم الذكاء الاصطناعي محركات لأسواق الأسهم الأوسع نطاقاً، وجزئياً لأنها، مثل العملات المشفرة، تُعتبر حالياً استثمارات مضاربة إلى حد ما، وتعتمد بشكل كبير على معنويات المستثمرين ورغبتهم في المخاطرة.

كما إنها، على غرار الأسهم، تبدو حساسة بشكل متزايد لمسار أسعار الفائدة، وقد وجدت دراسة أجرتها شركة فيديليتي العام الماضي أن على الرغم من قلة البيانات التاريخية التي تشير إلى ارتفاع سعر البيتكوين عند خفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة، فقد لاحظ بعض المحللين أن العملات المشفرة تميل إلى الارتفاع تماشياً مع الإشارات التيسيرية من البنك المركزي.

توقعات متذبذبة
خلال الأسابيع الماضية وضع المتداولون احتمالاً بنسبة 15% أن تنهي البيتكوين العام بأقل من 80 ألف دولار، مقارنة باحتمال سابق كان بنسبة 20% فقط. بعد أن كانت التوقعات الصادرة العام الماضي أن يصل سعر البيتكوين إلى 200 ألف دولار بحلول نهاية عام 2025، ويعود ذلك جزئياً إلى تدفقات الأموال إلى صناديق الاستثمار المتداولة في البيتكوين، إلا تلك التوقعات بدت معاكسة تماماً الآن ويحذر محللون من احتمال حدوث «ركود في سوق البيتكوين».

وفي أكتوبر الماضي توقع بنك ستاندرد تشارترد أن ينخفض سعر البيتكوين إلى ما دون 100 ألف دولار، لكنه أشار إلى أن هذه قد تكون المرة الأخيرة التي يصل فيها إلى هذا المستوى المنخفض.

ويحاول المحللون وضع معايير يمكن من خلالها التنبؤ بمسار هذه العملة المشفرة حيث يقولون إن قرار سعر الفائدة وتوقعات أسهم الذكاء الاصطناعي، من المرجح أن تكون محركاً رئيسياً لأسعار العملات الرقمية على المدى القريب، وأن دعم الاحتياطي الفيدرالي للعرض النقدي في هذا السيناريو تحديداً سيكون مؤشراً يترقبه الجميع في عالم العملات الرقمية.

تحدي «إيثريوم» و«سولانا»
لم تنجُ العملات المشفرة الأخرى، الأصغر حجماً من البيتكوين، من الاضطراب الذي ضرب الصناعة، وتذبذت أسعارهما ما بين ارتفاع وانخفاض، كبيراً كان أو طفيفاً.

وكان على كلٍ من الإيثريوم، ثاني أكبر عملة مشفرة بعد البيتكوين، وسولانا مواجهة المنافسة من الشبكات الخاصة، على الرغم من أن العديد من مشاريع «التوكنة» تختار حالياً البقاء مستقلة عن تقنية «البلوك تشين».

وهذا العام شهدت بعض منصات العملات الرقمية تحولاً بين شبكتي إيثيريوم وسولانا، ففي أكتوبر، انتقلت منصة الرياضات التخيلية «سوراري» من إيثيريوم إلى سولانا، سعياً وراء قابلية توسع أفضل، ورسوم أقل، ونظام بيئي أكثر انفتاحاً.

ونقلت الشركة أكثر من 10 ألعاب رياضية وبطاقاتها المرتبطة بها. ومع ذلك، أشارت الشركة إلى أنها لا تزال تثق في إيثيريوم، حتى مع وصفها للتغيير بأنه «ترقية».

وفي وقت سابق من هذا العام، قامت شركة غالاكسي ديجيتال بتبادل ما قيمته 100 مليون دولار من الإيثر مقابل عملة سولانا، وفي ذلك الوقت تكهن المحللون بأن الشركة اتخذت هذه الخطوة بسبب «التراجع الهيكلي» للإيثيريوم. ثم في سبتمبر اشترت الشركة ما يزيد على 700 مليون دولار من سولانا في غضون يومين فقط لاستثمارها في سندات سولانا في شركة فوروارد إندستريز.

وحتى الآن يبلغ حجم سوق إيثريوم، بما في ذلك العملات المستقرة، 183.7 مليار دولار، متجاوزًا بذلك حجم سوق سولانا البالغ 15.9 مليار دولار.

أين تقف الريبل
رغم التقدم والشهرة التي نالتها عملة الريبل «XRP» إلا أنها لم تتمكن من الحفاظ على هذا المستوى حتى ينقضي العام بسلام. فقد انخفضت معنويات مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي تجاه هذه العملة المشفرة إلى أدنى مستوى في شهرين بعد أن انخفضت قيمتها بأكثر من 30% عن أعلى مستوياتها الأخيرة، وأصبحت تنهال عليها التعليقات السلبية على وسائل التواصل الاجتماعي، رغم أن بعض مراقبي السوق يرون بأن الشكوك حول ارتفاع سعر الرمز المميز قد أدت تاريخياً إلى انتعاشات.

وقد أظهرت بيانات ارتفاعات مماثلة في المخاوف سبقت انتعاشات حادة في سعر الريبل، بما في ذلك قفزة بنسبة 22% في نوفمبر.

ودفع البيع المكثف سعر هذه العملة إلى ما دون مستوى الدعم الرئيسي قرب 1.93 دولار، على الرغم من أن المؤشرات الفنية تُشير إلى ظروف بيع مفرط.

ويأتي هذا الشعور في أعقاب انخفاض سعر الريبل 34% في الربع الأخير من عام 2025، وانقضاء أعياد الميلاد فمن شبه المؤكد أن السوق لن يشهد أي ارتفاعات في الأسعار في الأيام المتبقية من العام.

وفي أوائل نوفمبر، سيطر التشاؤم مجدداً على منصات التواصل الاجتماعي، ما أدى إلى انخفاض سعر رابع أكبر عملة رقمية من حيث القيمة السوقية إلى ما دون 2.25 دولار، ولم يرتفع فوق هذا المستوى حتى الآن.

نصائح «سي زي»
قال مؤسس منصة بينانس، تشانغبينغ تشاو، والمعروف باسم «سي زي»، إن مستثمري البيتكوين الأذكياء يميلون إلى دخول سوق العملات المشفرة في لحظات الخوف وعدم اليقين وليس عندما تكون الأسواق في حالة من النشوة.

وفي منشور له على منصة «إكس» قال: «عندما كان سعر البيتكوين في أعلى مستوياته على الإطلاق، هل قلت في نفسك ليتني لو اشتريت البيتكوين قبل ذلك؟» تخيلوا، أولئك الذين اشتروا مبكراً لم يشتروا عند أعلى مستوياتها على الإطلاق، بل اشتروا عندما كان هناك خوف وعدم يقين وشك».
© جميع الحقوق محفوظة لهمزة وصل 2024
تصميم و تطوير