همزة وصل -
لم يعد المنخفض الجوي مجرد ظاهرة طبيعية عابرة، بل تحول إلى إختبار سياسي وإداري يتكرر كل شتاء، وغالبا ما تكون نتائجه معروفة سلفا
فمؤسسة واحدة تعمل بصمت وكفاءة ، ومؤسسات عديدة تشرح للرأي العام لماذا لم تعمل.
ويدخل الدفاع المدني كل منخفض وهو يدرك تماما ماذا يفعل، ومتى يتحرك، وأين يكمن الخطر ، لا ينتظر توجيهات إعلامية، ولا يختبئ خلف أعذار جاهزة، ولا يبحث عن شماعات يعلق عليها التقصير. فهو يعمل بمنطق الواجب والمسؤولية العامة، واضعا سلامة المواطنين فوق أي إعتبار.
في المقابل، تدخل بعض البلديات كل منخفض وهي غير جاهزة، ثم تخرج منه متفاجئة بما حدث، وكأن الأمطار هطلت لأول مرة، وكأن الشوارع لم تغمر سابقا، وكأن التجارب المتكررة لم تكن كافية لإستخلاص الدروس.
والفارق هنا ليس تقنيا ولا ماليا فحسب، بل هو فارق في العقلية الإدارية والسياسية.
فالدفاع المدني لا يملك قرار التخطيط العمراني، ولا يوقع عطاءات البنية التحتية، ولا يدير الموازنات، ومع ذلك يتحمل العبء الأكبر، وينقذ الأرواح، ويخفف الخسائر.
أما البلديات، التي يفترض أن تكون خط الدفاع الأول في مواجهة الفيضانات وتداعياتها، فتغيب ساعة الحقيقة، ثم تحضر لاحقا عبر البيانات والتبريرات.
وفي كل مرة يتكرر الخطاب ذاته ،
أمطار غير مسبوقة،
بنية تحتية متهالكة،
مناهل مسدودة بسبب المواطنين،
وكل شيء متوقع ، بإستثناء تحمل المسؤولية.
فالمنخفض الأخير لم يفضح قوة الطبيعة بقدر ما كشف هشاشة الإدارة المحلية، وعرى واقع بلديات تدار بعقلية رد الفعل، لا بعقلية الدولة والتخطيط المسبق.
وهذا الفشل، سياسيا، أخطر من مجرد شوارع غارقة، لأنه يرسخ قناعة خطيرة مفادها أن المواطن يترك وحيدا عند أول إمتحان حقيقي، وأن مؤسسات الخدمات الأساسية لا تحاسب، بل تكافأ بالصمت.
إن الدفاع المدني لا ينقذ فقط أشخاصا عالقين وسط المياه، بل ينقذ ما تبقى من ثقة الناس بالدولة ومؤسساتها.
أما بعض البلديات، فكل ما تفعله هو محاولة إنقاذ صورتها، حتى لو غرقت الشوارع والناس معها.
وإلى أن يصبح المطر ملفا يدار قبل حدوثه لا بعده ،
وإلى أن تربط المسؤولية بالمحاسبة لا بالبيانات،
وإلى أن يسأل ويحاسب ، وربما يغادر ، كل مسؤول مقصر،
سيبقى الدفاع المدني يؤدي واجبه بشرف،
بينما تستمر بعض البلديات في أداء دور واحد فقط هو الدفاع عن الفشل.
حفظ الله رجال الدفاع المدني، ورجال الأمن العام ، وقوات الدرك ،
الساهرين على أمن الوطن وسلامة المواطنين .



