نشرت صحيفة ” التايمز” تقريراً حول الحربين في غزة وأوكرانيا، وكيف قسمتا بين البوسنيين المسلمين والصرب.
وفي تقرير أعدّته كاميلا بيل- ديفيس قالت إن زعيماً متقاعداً صربياً ومجموعة مقاتلين من حرب البلقان يصطفون أمام حدود غير واضحة، حيث يقول إنه هناك لحماية أهله.
وبيتار ماليكوكتا تشيفتنوفيتش، رئيس "حراس الفهود”، هو واحد من مجموعة من المقاتلين السابقين الذين يأتون كل أسبوع من أنحاء البوسنة "للدفاع عن الأرض والأملاك والمؤسسات الصربية”. ويعتبر وجود هؤلاء مثيراً للعصبية في واحد من خطوط الصدع القاتلة في أوروبا.
قال ممثلو جمهورية سبارسكا، عند بداية القتال في غزة، إنهم قلقون من "الإرهاب الإسلامي” في البوسنة ذات الغالبية المسلمة بعد أكبر تظاهرة نظمت دعماً لفلسطين
وتقول الصحيفة إن الحرب في أوكرانيا وغزة، والانتخابات الرئاسية القريبة في الجارة صربيا، ساهمت في التوتر المتزايد في البوسنة والهرسك، والتي لم تختف منها بعد ذكريات الحرب، التي أدّت لمقتل أكثر من 100.000 شخص.
وقال الأمين العام للناتو، يانيس ستولتنبرغ، من العاصمة سراييفو، إن التحالف "قلقٌ من الخطاب الانقسامي في البوسنة والهرسك، وكذا التدخل الأجنبي الخبيث، بما فيه روسيا”. وكرّرَ الدعم من الحلفاء "لسيادة ووحدة البوسنة والهرسك”.
وخرجت البلاد من الحرب منقسمة، الفدرالية المسلمة- الكرواتية للبوسنة والهرسك والمنطقة التي يسيطر عليها الصرب، المعروفة باسم جمهورية سبارسكا.
لكن رئيس هذه الجمهورية ميلورد دويك كرَّرَ أن هدفه الرئيس هو الانفصال عن البوسنة والانضمام لصربيا. وعلى خلاف الدول المحيطة بالبوسنة فإنه لا الجمهورية البوسنية ولا الانفصاليون الصرب أعضاء في الناتو، مع أن البوسنة تحاول الحصول على عضوية.
وفي الفترة الأخيرة ظهرت يافطات كبيرة في معظم أنحاء الجمهورية الانفصالية، وتحمل عبارة "الحدود موجودة”، وهي جزء من حملة لصرب البوسنة الذين نظموا تظاهرات أسبوعية، منذ أيلول/ سبتمبر، في البلدات القريبة من ” الخط المشترك بين الكيانات”.
ويدعم دوديك التظاهرات ووزراء حكومته وعمد البلديات والمقاتلين السابقين الذين انضموا للمتظاهرين. وحمل معظم المشاركين أعلام جمهورية سبارسكا، وشعارات معادية للمسلمين، وحتى صوراً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يدعم دوديك والساسة في الجمهورية الانفصالية.
وبدأت الاحتجاجات الحالية بعد قرار دوديك المثير للجدل، في الصيف الماضي، الانسحاب من المحكمة الدستورية البوسنية، وهي المؤسسة التي تطبق اتفاق دايتون، الذي أنهى الحرب في البوسنة عام 1995. وأثار التحرك نقداً وعقوبات من قادة الاتحاد الأوروبي ومن كريستيان شميدت، السياسي الألماني المعين كممثل أعلى للبوسنة، وهو دور نصّت عليه اتفاقية دايتون.
ومثل بقية المتظاهرين، يدعم تشيفتنوفيتش مواقف دوديك، وعبّر رئيس "حراس الفهود” عن قلق من المقترحات التي يدعمها شميدت لتعديل الإجراءات المتعلقة بممتلكات الدولة في أنحاء جمهورية سبارسكا. وقال إن الممثل الألماني لا يحترم الأرض الصربية، ويدعم استقلال الجمهورية الصربية في البوسنة.
وما يثير القلق الاتهامات بشأن دعم موسكو للاحتجاجات. ولا يمكن التأكد من وجود روابط مباشرة لروسيا، إلا أن المنشورات الصربية على منصة تيلغرام عبّرت عن امتنان للدعم المالي والمعنوي الروسي. وأظهرت قنوات الروس على تيلغرام حرب الجمهورية الانفصالية، فيما انتقد سفير روسيا في البوسنة خطط شميدت، وعبّر عن دعمه لدوديك.
وما بدأ كخلاف حول استقلال جيب صربي في البوسنة، أصبح مهماً في سياق الحرب الإسرائيلية في غزة. وكتب ممثلو جمهورية سبارسكا إلى المجلس الأوروبي، عند بداية القتال في غزة، حيث قالوا إنهم قلقون من "الإرهاب الإسلامي” في البوسنة ذات الغالبية المسلمة بعد أكبر تظاهرة نظمت دعماً لفلسطين.
وقال البوسنيّون إن قصف غزة أثار ذكرياتهم المؤلمة عن حصار سراييفو والمذابح. وقال مسلم بوسنيّ يعيش في جمهورية سبارسكا: "المشاعر الصربية نكأت الجراح القديمة من حروب التسعينات”. وقال أفراد من المسلمين إنهم تعرضوا لتعليقات معادية من جيرانهم الصرب، ومنذ بداية الحرب في غزة. وذهب بعضهم للاحتجاج ضد الصرب عند خط الحدود، ما فاقمَ التوتر.
وعبّر المراقبون عن قلقهم من أن غزو روسيا لأوكرانيا زاد من شهية المتشددين الصرب في منطقة البلقان، وأحيا فكرة "سبارسكي سيفت”، أو العالم الصربي على شاكلة "روسكي مير”، أو العالم الروسي، الفكرة التي تحدث عنها بوتين.
ستولتنبرغ: التحالف قلقٌ من الخطاب الانقسامي في البوسنة والهرسك، وكذا التدخل الأجنبي الخبيث، بما فيه روسيا
وتقول إيفانا سترادنر من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية: "يريد دوديك استخدام الضم الروسي كدليل”، مضيفة: "نشاهد "الرجال الخضر الصغار” كوسيلة في عالم اليوم للحرب الهجينة”، في إشارة للقوات الروسية التي سيطرت على شبه جزيرة القرم، عام 2014، ومثل الجماعات المسلحة المعروفة بـ "الشرف الصربي” التي تنشط في سبارسكا.
ويقال إن معظمهم تلقّى تدريبه على يد الروس في صربيا. كما سافر المقاتلون الصرب من وإلى أوكرانيا للقتال بجانب الروس. وفاقمَ المتطرفون الصرب التوتر بين الصرب في كوسوفو في الصيف وبداية الخريف، والذي وصل ذروته بتبادل إطلاق النار بين الشرطة الكوسوفية والصرب في دير.
وتعهد الرئيس الصربي الكسندر فوتشيش بحماية كل الصرب، بمن فيهم صرب كوسوفو، وبالقوة إن اقتضى الأمر. ويمثّل خطابه بشأن كوسوفو أساس حملته الانتخابية.
ويحاول الإعلام والساسة تصوير الصرب بأنهم ضحايا العدوان الغربي، أو ضحايا للإرهاب في كوسوفو، وهو خطاب يشترك فيه كل الصرب حول البلقان.
ومنذ التسعينات، ظلت البوسنة والهرسك أكثر استقراراً من كوسوفو، حسب ياسمين مويانوفيتش، الباحثة في العلوم السياسية المختصة بغرب البلقان، وهناك مخاوف من تزعزع هذا الاستقرار: "لو انتقلت الأمور للأسوأ في البوسنة، فستكون أكثر دموية من كوسوفو”. وأدى خطاب دوديك التحريضي بالناتو إلى وضع البوسنة إلى جانب جورجيا ومولدوفا كدول أكثر عرضة للخطر.